وما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم والضمير إلى الأهل المحذوف المضاف إلى القرى.
ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما يوجب الهلاك من الشرك وغيره فإنهم أكلوا رزق الله وعبدوا غيره وكذبوا رسله.
وفيه إشارة إلى أنه تعالى أعطاهم استعداداً روحانياً وآلة لتحصيل كمالات لا يدركها الملائكة المقربون، فاستعملوا تلك الآلة على وفق الطبيعة لا على حكم الشريعة فعبدوا طاغوت الهوى ووثن الدنيا وأصنام شهواتها فجاءهم الهلاك من أيدي الأسماء الجلالية.
فما أغنت عنهم ما نافية، أي فما نفعتهم ولا قدرت أن ترد بأس الله عنهم.
آلهتهم التي يدعون أي : يعبدون وهي حكاية حال ماضية وإنما أريد بالدعاء العبادة لأنه منها ومن وسائطها ومنه قوله عليه السلام : الدعاء هو العبادة.
من دون الله أي : حال كونهم متجاوزين عبادة الله.
من شيء في موضع المصدر أي شيئاً من الأغناء وهو القليل منه.
لما جاء أمر ربك منصوب باغنت أي : حين مجيء عذابه ونقمته وهي المكافأة بالعقوبة.
وما زادوهم الضمير المرفوع للأصنام والمنصوب لعبدتها وعبر عن الأصنام بواو العقلاء لأنهم نزلوها منزلة العقلاء في عبادتهم إياها واعتقادهم أنها تنفع غير تتبيب من تب إذا هلك وخسر، وتبه غيره إذا
١٨٤
أهلكه وأوقعه في الخسران، أي غير إهلاك وتخسير فإنهم إنما هلكوا وخسروا بسبب عبادتهم لها وكانوا يعتقدون في الأصنام جلب المنافع ودفع المضار فزال عنهم بسبب ذلك الاعتقاد منافع الدنيا والآخرة وجلب ذلك إليهم مضار الدنيا والآخرة وذلك من أعظم الهلاك وأشد الخسران.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿وَكَذَالِكَ﴾ الكاف في محل الرفع على أنها خبر مقدم للمصدر المذكور بعده أي مثل ذلك الأخذ الذي مر بيانه.
أخذ ربك إذا أخذ القرى أي أهلها وإنما أسند إليها للأشعار بسريان أثره إليها.
وهي ظالمة حال من القرى وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أقيمت مقامهم في الأخذ أجريت الحال عليها، وفائدتها الأشعار بأنهم أخذوا بظلمهم وكفرهم ليكون ذلك عبرة لكل ظالم.
إن أخذه أليم شديد أي : عقوبة مؤلمة شديدة صعبة على المأخوذ والمعاقب لا يرجى منها الخلاص.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك أخذ ربك الآية.
كسى كر صرصر ظلمش دمادم
راغ عيش مظلومات بميرد
نميترسد ازان كايزد تعالى
اكره دير كيرد سخت كيرد
والله تعالى لا يجير الظالم ولكن يمهله ويكله إلى نفسه فمن أمارية نفسه يظلم على نفسه وعلى نفس غيره فيؤاخذه الله تعالى بظلمه عدلاً منه، ولكنه إذا نظر بفضله ورحمته إلى عبد بنظر العناية يزيل بنور العناية ظلمات أمارية نفسه فتصير نفسه مأمورة لأمر الشريعة فلا يعمل إلا للنجاة من عذاب الآخرة ونيل الدرجات والقربات فعلى كل من أذنب أن يحذر أخذ ربه فيبادر إلى التوبة ويترك التسويف فإنه ورد : هلك المسوفون.
قبول توبه بر رب كريم فعجل إن في التأخير آفات
إن في ذلك أي فيما نزل بالأمم الهالكة بذنوبهم أو فيما قصه الله من قصصهم لآية لعبرة بينة وموعظة بالغة لمن خاف عذاب الآخرة أي أقر به وآمن لأنه يعتبر به حيث يستدل بما حاق بهم من العذاب الشديد بسبب ما عملوا من السيئات على أحوال عذاب الآخرة وأما من أنكر الآخرة وأحال فناء العالم، ولم يقل بالفاعل المختار وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين فهو بمعزل من هذا الاعتبار تباً لهم، ولما لهم من الأفكار.
قال الحافظ :
سير سهر ودور قمر راه اختيار
در كردشند بر حسب اختيار دوست
ذلك إشارة إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة.
يوم مجموع له الناس أي : يجمع له الأولون والآخرون للمحاسبة والجزاء واستعمال اسم المفعول حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازاً تنبيهاً على تحقق وقوعه.
وذلك أي : يوم القيامة مع ملاحظة عنوان جمع الناس له يوم مشهود أي مشهود فيه حيث يشهد فيه أهل السموات والأرضين للموقف لا يغيب عنه أحد فالمشهود هو الموقف والشاهدون أي الحاضرون الخلائق والمشهود فيه اليوم فاتسع فيه إجراء للظرف مجرى المفعول به، واليوم
١٨٥
كما يصح أن يوصف بأنه مشهود فيه بمعنى يشهد فيه الخلائق من كل ناحية لأمر له شأن أو لخطب يهمهم كيوم الجمعة والعيد وعرفة وأيام الحروب وقدوم السلطان، كذلك يصح أن يوصف بأنه مشهود أي مدرك كما تقول أدركت يوم فلان فأريد في هذا المقام اليوم المشهود فيه لما فيه من تهويل ذلك اليوم لا اليوم المشهود لأن سائر الأيام كذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٥
﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ﴾ أي وما نؤخر أحداً في ذلك اليوم الملحوظ بعنواني الجمع والشهود إلا لأجل معدود إلا لانقضاء مدة قليلة بحذف المضاف.