يقول الفقير : على ما تلقف من فم حضرة الشيخ العلامة أبقاه الله بالسلامة : إن أهل الجنة يصلون بمقتضى الاستثناء الذي هو قوله تعالى : إلا ما شاء ربك إلى مقام لا يشابه ما قبله أصلاً وذلك بعد تطاول الزمان وتباعد التنعم في الجنان وعند ذلك يظهر سر الأزل في مرآة الأبد فكما أن مبدأ التعينات وهو شئونات الغيبية أزل الأزال، كذلك مقام هذا التجلي المخصوص أبد الآباد فالأبد المضاف هو ما بعد هذا التجلي لا إلى نهاية، والمضاف إليه ما كان قبله مذ دخولهم الجنة وكذا الأزل فإن ما فوق المبدأ المذكور هو الأزل المضاف وما تحته هو الأزل المضاف إليه ونظير هذا هو ما يصل إليه أهل الفناء الكلي في الدنيا وذلك أنهم استوفوا حظهم من الأرزاق المعنوية بحيث لم يبق لهم بحسب مرتبتهم وتعينهم الخاص شيء لم يصلوا إليه من أسرار الأفعال والصفات والذات في جميع المراتب والتعينات، فعند ذلك يتجلى الله لهم بصورة أخرى لا تشابه ما قبلها أصلاً فيحيون حياة أبداً باقية، ثم السر المذكور المنسوب إلى أهل الجنة والعليين جار على أهل النار لكنهم أهل الجلال ومقامهم مقام الفردية ولذا لا تزوج لهم ولا تنعم بما يتنعم به أهل الجنان، وأهل الجنة أهل الجمال ومقامهم مقام الصفة ومقتضاه التنعم والتلذذ.
فالفرق بين أهل الجنة وأهل النار أن لأهل الجنة ظهوراً بالصفات وفي الظهور بطون وهو سر الذات وأن لأهل النار بطوناً وليس في البطون ظهور، ولأهل الكمال إحاطة وسعة بحيث لا توصف وذلك في الدارين فالمقربون واقفون على أحوال الأبرار، ومكاشفون عن مقاماتهم ومواطنهم، وهم محجوبون عن المقربين في ذلك، وكذا الأبرار واقفون على أحوال أصحاب المشأمة وهم محجوبون عن الأبرار، فقس على حال الدنيا حال البرازخ والآخرة، ولذا قال بعض الكبار : إن الروح بعد خلاصه من حبس البدن إن كان علوياً بعضه يقطع برزخا وبعضه أكثر إلى أن يسموا
١٩٠
البرازخ فكلما قطع برزخاً ازداد إحاطة حتى يصل إلى المحيط الحقيقي، فهناك يضمحل الكل فهو محيط الكل وأما إذا كان سفلياً فإنه في البلاء والعياذ بالله تعالى.
ثم إن العلم الإلهي إنما يستكمل بعد أربعين سنة من أول المكاشفة والظهور كما أن العقل إنما يستكمل في سن الأربعين يعني أن الوصول إلى منتهى المراتب إنما يحصل في تلك المدة وقد أجرى الله عادته على ذلك فلا يطمع أحد فيه قبلها، فإن العلم يزداد إلى ذلك الحد ثم يحصل التحقق وتصير الأوصاف الطبيعية والنفسانية كلها تحت تسخيره وفي يده غالباً عليها بإذن الله تعالى وعونه فانظر إلى طول الطريق وعزة المطلب فاختر لك دليلاً إلى أن تصل إلى الله الرب.
وفي المثنوى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٩
يررا بكزين بي ير اين سفر
هست ره ر آفت وخوف وخطر
آن رهى كه بارها تورفته
بي قلاوز اندر آن آشفته
س رهى راكه نديد ستى توهي
هين مروتنها زر هبر سر مي
كرنباشد سايه بيرا يفضول
س تراسر كشته دارد بانك غول
اللهم خذ بأيدينا وجد علينا كل حين.
فلاتك أصله لا تكن حذفت النون لكثرة الاستعمال أي إذا تبين عندك ما قصصت عليك من قصص المتقدمين وسوء عاقبتهم فلا تكن في مرية أي في شك مما يعبد هؤلاء ما مصدرية، أي من جهة عبادة هؤلاء الحاضرين من المشركين وكن على يقين في أنها ضلال سيء العاقبة، كأنه قيل لم لا أكون في شك فأجيب لأنهم ما يعبدون إلا كما كان يعبد آباؤهم من قبل أي حالهم كحال آبائهم من غير تفاوت فهم على الباطل والتقليد لا على الحق والتحقيق.
وفيه إشارة إلى أن أهل الفترة الذين عبدوا الأصنام من أهل النار، فإن الذم ينادى على ذلك وإنا لموفوهم توفية الشيء تأديته وإعطاؤه على وجه التمام والضمير لهؤلاء الكفرة.
نصيبهم أي حظهم المتعين لهم من العذاب الدنيوي والأخروي كما وفينا آباءهم أنصباءهم المقدرة حسب جرائمهم فسيلحقهم مثل ما لحق بآبائهم فإن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات.
فإن قيل : لا سبب عندنا إلا الله.
قلنا : يكفينا السببية العادية وهو ما يفضي إلى الشيء بحسب جريان العادة غير منقوص حال مؤكدة من النصيب كقوله : هو الحق مصدقاً}(فاطر : ٣١) وفائدته مع دفع توهم التجوز تقرير ذي الحال أي جعله مقرراً ثابتاً لا يظن أنه غيره.
وفي الآية : ذم للتقليد وهو قبول قول الغير بلا دليل وهو جائز في الفروع والعمليات ولا يجوز في أصول الدين والاعتقاديات، بل لا بد من النظر والاستدلال لكن إيمان المقلد صحيح عند الحنفية والظاهرية، وهو الذي اعتقد جميع ما وجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وإرسال الرسل وما جاؤوا به حقاً من غير دليل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قبل إيمان الأعراب والصبيان والنسوان والعبيد والإماء من غير تعليم الدليل، ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه ولا يحصل اليقين إلا بترك التقليد وبالوصول إلى عين التوحيد.
قال المولى الجامي قدس سره :
سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را
زين بيش خشك لب منشين برسر آب ريب


الصفحة التالية
Icon