ثم إن أهل التقليد وأرباب الطبيعة إنما يعبدون الدنيا والهوى في الحقيقة، فلا بد من ترك الهوى
١٩١
واتباع الهدى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٩
يقال : لما وقع الازدواج بين آدم وحواء وقع الازدواج بين إبليس والدنيا فتولد من الازدواج الأول نوع البشر ومن الثاني الهوى فجميع الأديان الباطلة والأخلاق المذمومة من تأثير ذلك الهوى.
قال بعض المحققين : لما جعل الله سلطان الروح ملكاً في ملك البدن وجعل العقل وزيره جعل النفس خليلة الروح فمالت النفس إلى الهوى فسئل الوزير عن حالها فقال وزير العقل : أيها الملك إن ههنا مسمى بالهوى قد أضل النفس فتوجه الروح إلى الله تعالى بالتضرع والابتهال فانقادت النفس للروح بالصلاح وحسن الحال، فمن أراد إصلاح نفسه فليرجع إلى القادر المتعال.
يقال : إن ضرر البدعة والهوى أكثر من ضرر المعصية فإن صاحب المعصية يعلم قبحها فيستغفر ويتوب بخلاف صاحب البدعة والهوى.
ثم إن البدعة والهوى عندنا معاشر الصوفية خلاف العمل بسنة النبي عليه السلام وسنة الأصحاب العظام وسنة المشايخ الكرام، والاتباع بالعقل الجزئي والطبع في كل فعل وترك.
فعلى السالك أن لا يخالف السنن مطلقاً ولا يخرج عن آثار الأخيار ولا يلتفت إلى طعن الأغيار فإن الحق أحق أن يتبع
دين ما عشقست اي زاهد مكوبيهوده ند
ما بترك دين خود كفتن نخواهيم ازكذاف
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٩
﴿وَلَقَدْ﴾ أي : وبالله لقد آتينا موسى الكتاب أي التوراة وهو أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع وأما ما قبله من الكتب فإنما كانت مشتملة على الإيمان بالله وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف وإطلاق الكتب عليها مجاز.
فاختلف فيه أي في شأنه وكونه من عند الله وآمن به قوم وكفر به آخرون فلا تبال يا محمد باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن واصبر على تكذيبهم كما صبر موسى على تكذيب قومه، ففيه تسلية له ولما قسم غنائم الطائف وأطال بعض المنافقين الكلام في أنه لم يعدل في القسمة قال عليه السلام : من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله على أخي موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر يعني أن موسى أصابه الأذى الكثير من جهة قومه فصبر على أذاهم فلم يجزع فأنا أحق بالصبر منه لأن الجمعية الكمالية في ذاته عليه السلام أتم فحظه من الصفات الإلهية والأخلاق الحميدة الربانية أكثر وأوفر : قال المولى الجامي قدس سره في نعته :
بر دفتر جلال تو تورات يك رقم
وز مصحف جمال توانجيل يك ورق
ولولا كلمة سبقت من ربك هي كلمة القضاء بإنظارهم إلى يوم القيامة.
قال سعدي المفتي الأطهر : أن لا تقيد بيوم القيامة فإن أكثر طغاتهم نزل بهم العذاب يوم بدر وغيره لقضي بينهم أي : لا وقع القضاء بين المختلفين من قومك بإنزال العذاب الذي يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين وإنهم أي : وإن كفار مكة أريد به بعض من رجع إليهم ضمير بينهم للأمن من الإلباس لفي شك عظيم منه أي : من القرآن وإن لم يجر له ذكر فإن مقام التسلية ينادي على ذلك نداء غير خفي.
مريب وصف لشك يقال أرابه أوقعه في الريبة.
يعني (نفس را مضطرب ودل را شوريده كننده).
وإن كلا التنوين عوض عن المضاف إليه، أي وإن كل المختلفين فيه المؤمنين منهم والكافرين : لما ليوفينهم ربك
١٩٢
أعمالهم اللام الأولى موطئة للقسم والثانية جواب للقسم المحذوف، ولما بتشديد الميم أصله لمن ما بكسر الميم على أنها من الجارة دخلت على ما الموصولة أو الموصوفة فلما اجتمعت النون ساكنة مع ميم ما وجب ادغامها فقلبت ميماً فاجتمع في اللفظ ثلاث ميمات فحذفت إحداهن، أولاهن كانت المحذوفة أم وسطاهن على اختلاف الأقوال، والمعنى أن جميعهم لمن الذي أو لمن خلق أو لمن فريق والله ليوفينهم ربك أعمالهم من الإيمان وسائر الحسنات والكفر وسائر السيئات أي ليعطينهم ويؤدينهم جزاء أعمالهم خيراً أو شراً تاما وافياً كاملاً.
إنه أي الله تعالى بما يعملون أي بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر خبير بحيث لا يخفى عليه شيء من جلائه ودقائقه فيجازي كلا بحسب عمله، وتوفية جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفية جزاء المعاصي وعيد عظيم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٢
فعلى العاقل أن ينتبه من الغفلة ويجانب ما يخالف أمراتعالى فإن الله تعالى لا يفوته منه شيء.
بهمه كار بنده دانا اوست
بمكافات أو توانا أوست