وعن بعض الصلحاء وهو أبو علي السنوسي رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله في النوم فقلت له روى عنك إنك قلت : شيبتني سورة هود فقال : نعم فقلت : فما الذي شيبك منها أقصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ قال : لا، ولكن قوله : فاستقم كما أمرت، وذلك لأن حقيقة الاستقامة هي الوفاء بالعهود كلها وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط في كل الأمور من الطعام والشراب واللباس في كل أمر ديني ودنيوي ترغيب أو ترهيب أو حال أو حكم أو صفة أو معاملة وذلك هو الصراط المستقيم كالصراط المستقيم في الآخرة والتمشي على هذا الصراط الذي يقال لها الاستقامة الاعتدالية عسير جداً، كما قال في بحر العلوم الاستقامة على جميع حدود الله على الوجه الذي أمر الله بالاستقامة عليه مما يكاد يخرج عن طوق البشر ولذلك قال عليه السلام : شيبتني سورة هود ولن يطيق مثل هذه المخاطبة بالاستقامة إلا من أيد بالمشاهدات القوية والآثار الصادقة ثم بالتثبت كما قال : لولا أن ثبتناك}(الإسراء : ٧٤) ثم حفظ وقت المشاهدة ومشافهة الخطاب، ولولا هذه المقدمات لتفسخ دون هذا الخطاب ألاتراه كيف قال للأمة :"استقيموا ولن تحصوا" أي لن تطيقوا الاستقامة التي أمرت بها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٤
قيل لمحمد بن فضل حاجة
١٩٤
العارفين إلى ماذا؟ قال : حاجتهم إلى الخصلة التي كملت بها المحاسن كلها ألا وهي الاستقامة فكل من كان أتم معرفة كان أتم استقامة.
قال ابن عطاء : فاستقم، أي افتقر إلى الله مع تبريك من الحول والقوة.
وفي "التفسير الفارسي" للامام القشيري (فر مودكه مستقيم آنكس است كه از راه حق بازنكردد تابسر منزل وصال برسد.
وشيخ أبو علي دقاق كفته استقامت آنست كه سر خودرا از ما سوى محفوظ داري.
وخواجه عصمت بخاري در صفت أهل استقامت فرموده)
كسى را دانم أهل استقامت
كه باشد برسر كوى ملامت
ز اوصاف طبيعت اك برده
باطلاق هويت جان سرده
تمام از كردتن دا من فشانده
برفته سايه وخوشيد مانده
وقال أبو علي الجرجاني : كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة ويطلب منك الاستقامة، فالكرامة الكبرى الاستقامة في خدمة الخالق لا بإظهار الخوارق.
قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائي قدس سره في "نفائس المجالس" : لا تتيسر الاستقامة إلا بإيفاء حق كل مرتبة من الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة، فمن رعاية حق الشريعة العدالة في الأحكام فالاستقامة في مرتبة الطبيعة برعاية الشريعة وفي مرتبة النفس برعاية الطريقة وفي مرتبة الروح برعاية المعرفة وفي مرتبة السر برعاية المعرفة والحقيقة، فمراعاة تلك الأمور في غاية الصعوبة ولذلك قال عليه السلام :"شيبتني سورة هود" فالكمال الإنساني بتكميل تلك المراتب لا بإظهار الخوارق، كما حكى أنه قيل للشيخ أبي سعيد : إن فلاناً يمشي على الماء قال إن السمك والضفدع كذلك، وقيل إن فلاناً يطير في الهواء فقال إن الطيور كذلك، وقيل إن فلاناً يصل إلى الشرق والغرب في آن واحد قال أن إبليس كذلك فقيل فما الكمال عندك قال إن تكون في الظاهر مع الخلق وفي الباطن مع الحق.
واعلم أن النفوس جبلت على الاعوجاج عن طريق الاستقامة إلا ما اختص منها بالعناية الأزلية والجذبة الإلهية.
قال المولى الجامي قدس سره :
سالكان بي كشش دوست بجايي نرسند
سالها كره درين راه تك ووى كنند
﴿وَلا تَرْكَنُوا﴾ هو الميل اليسير والخطاب لرسول الله ومن معه من المؤمنين، أي ولا تميلوا أدنى ميل.
إلى الذين ظلموا أي إلى الذين وجد منهم الظلم في الجملة فتمسكم بسبب ذلك وهو منصوب بإضمار إن في جواب النهي يعني :(بشما برسد) النار (آتش دوزخ) وإذا كان الركون إلى من صدر منهم ظلم مرة في الإفضاء إلى مساس النار هكذا فما ظنك بالركون إلى من صدر منهم الظلم مراراً ورسخوا فيه؟ ثم بالميل إليهم كل الميل.
وما لكم من دون الله من أولياء أي : من أنصار ينقذونكم من النار على أن يكون مقابلة الجمع بالجمع بطريق انقسام الآحاد على الآحاد، والجملة نصب على الحالية من مفعول فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة وهي انتفاء ناصركم ثم لا تنصرون جملة فعلية معطوفة على الاسمية قبلها.
وكلمة ثم لاستبعاد نصرة الله تعالى إياهم مع استحقاقهم العذاب بسبب ركونهم، ثم لا ينصركم الله، إذ سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم.
والآية
١٩٥
أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه، والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ثم لا يرتدعون عن الظلم والميل إلى أهله ولا يتدبرون أنهم مؤاخذون غير منصورين.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٤
كرازي باه اندر افتاده بود
كه ازهول اوشير نرمانده بود
بد انديش مردم بجز بدنديد
بيفتادو عاجز تر ازخود نديد
همه شب زفرياد وزاري نخفت
يكى برسرش كوفت سنكي وكفت
تو هركز رسيدي بفرياد كس
كه ميخواهى امروز فرياد رس
كه برريش جانت نهد مرهمي
كه دلها زدردت بنالد همي
تومارا همي اه كندي براه