بسر لا جرم درفتادى باه
اكربد كنى شم نيكى مدار
كه هر كز نيارد كا نكور بار
وفي الحديث : إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم وفي تخريب القلب تخريب سائر الجسد فالظالم يظلم على نفسه حيث يخرب أعضاءه الظاهرة والباطنة، وعلى الله حيث يخرب بنيان الله ويغيره ويفسده، ولأنه إذا ظلم غيره وآذاه، فقد ظلم على الله ورسوله وآذاه.
والدليل عليه قوله عليه السلام : أنا من الله والمؤمنون مني فمن آذى مؤمناً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى ودخل في الركون إلى الظالمين المداهنة والرضى بأقوالهم وأعمالهم ومحبة مصاحبتهم ومعاشرتهم، ومد العين إلى زهرتهم الفانية وغبطتهم فيما أوتوا من القطوف الدانية، والدعاء لهم بالبقاء وتعظيم ذكرهم، وإصلاح دواتهم وقلمهم ودفع القلم أو الكاغد إلى أيديهم والمشي خلفهم والتزيي بزيهم والتشبه بهم وخياطة ثيابهم وحلق رؤوسهم.
وقد امتنع بعض السلف عن رد جواب الظلمة في السلام.
وقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء؟ فقال : لا فقيل له : يموت فقال : دعه فإنه إعانة للظالم.
وقال غيره : يسقى إلى أن يثوب إلى نفسه ثم يعرض عنه، وفي الحديث : العلماء أمناء الرسل على عباد الله مالم يخالطوا السلطان فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم فإذا علمت هذا فاعلم أن الواجب عليك أن تعتزل عنهم بحيث لا تراهم ولا يرونك إذ لا سلامة إلا فيه، وأن لا تفتش عن أمورهم ولا تتقرب إلى من هو من حاشيتهم ومتصل بهم من إمامهم ومؤذنهم فضلاً عن غيرهم من عمالهم وخدمهم، ولا تتأسف على ما يفوت بسب مفارقتهم وترك مصاحبتهم، واذكر كثيراً قول رسول الله : إذا قرأ الرجل القرآن وتفقه في الدين، ثم أتى باب السلطان تملقاً إليه وطمعاً لما في يديه خاض بقدر خطاه في نار جهنم والحديث كأنه مأخوذ من الآية فهما متطابقان معنى كما لا يخفى وروى أن الله تعالى أوحى إلى يوشع بن نون إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم فقال ما بال الأخيار فقال إنهم لم يغضبوا لغضبي فكانوا يواكلونهم ويشاربونهم وبهذا تبين أن بغض الظلمة والغضب عليهمواجب، وإنما ظهر الفساد في الرعايا وجميع أقطار الأرض براً وبحراً بفساد الملوك، وذلك بفساد العلماء أولاً ؛ إذ لولا القضاة السوء والعلماء السوء لقل فساد الملوك، بل لو اتفق العلماء في كل عصر على الحق ومنع الظلم مجتهدين في ذلك
١٩٦
مستفرغين مجهودهم لما اجترأ الملوك على الفساد ولاضمحل الظلم من بينهم رأساً وبالكلية، ومن ثم قال النبي عليه السلام : لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه ما لم يمالىء قرّاؤها أمراءها وإنما ذكر القراء لأنهم كانوا هم العلماء وما كان علمهم إلا بالقرآن ومعانيهم إلا بالسنة، وما وراء ذلك من العلوم إنما أحدثت بعدهم كذا في بحر العلوم للشيخ على السمرقندي قدس سره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٤
يقول الفقير أصلحه الله القدير : ذكر في الإحياء أن من دخل على السلطان بلا دعوة كان جاهلاً ومن دعى فلم يجب كان أهل بدعة.
وتحقيق المقام أن الركون في الآية أسند إلى المخاطبين، والمخالطة وإتيان الباب والممالأة إلى العلماء والقراء فكل منها إنما يكون مذموماً إذا كان من قبل العلماء وأما إذا كان من جانب السلاطين والأمراء بأن يكونوا مجبورين في ذلك مطالبين بالاختلاط لأجل الانتفاع الديني فلا بأس حينئذٍ بالمخالطة لأن المجبور المطالب مؤيد من عند الله تعالى خال عن الأغراض النفسانية بخلاف ما إذا كان مقارناً بالأغراض النفسانية فيكون موكولاً إلى نفسه فتختطفه الشياطين نعوذ بالله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٤