فعلى العاقل أن يصبر على مشاق الطاعات والعبادات فإن له فيها أنواراً وحياة باقية :
مده براحت فاني حيات باقي را
بمحنث دوسه روز ازغم ابدبكريز
ذلك أي : المذكور من الاستقامة والإقامة وغيرهما ذكرى للذاكرين أي : موعظة للمتعظين، فمن امتثل إلى أمر الله تعالى فاستقام وأقام فقد تحقق بحقيقة الحال والمقام.
قال بعض الحكماء : علامة الذي استقام أن يكون مثله كمثل الجبل ؛ لأن الجبل له أربع علامات، أحداها : أن لا يذيبه الحر، والثانية : أن لا يجمده البرد، والثالثة : أن لا تحركه الريح، والرابعة : أن لا يذهب به السيل، فكذا المستقيم إذا أحسن إليه إنسان لا يحمله إحسانه على أن يميل إليه بغير الحق كما يفعله أرباب الجاه والمناصب في هذا الزمان فإنهم بالشيء اليسير من الدنيا الواصل إليهم من يد رجل
١٩٨
أو امرأة يتخطون الحد ويتركون الاستقامة وليس الاتعاظ وقبول النصيحة من شأنهم.
والثاني : إذا أساء إليه إنسان لا يحمله ذلك على أن يقول بغير الحق.
والثالث : أن هوى نفسه لا يحوله عن أمر الله تعالى.
والرابع : أن حطام الدنيا لا يشغله عن طاعة الله.
فقال الحافظ :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٧
ببال ورمر وازره كه تير رتابى
هوا كرفت زمانى ولى بخاك نشست
يعني : لا تخرج بالقدرة الدنيوية والمكنة المالية عن حد الطريق المستقيم، فإن لكل ترق تنزلاً ألا ترى إلى حال السهم كيف صعد إلى جو السماء زماناً ثم سقط على الأرض فالإنسان لا بد وأن يسقط على الأرض في آخر أمره ونهاية عمره.
واصبر يا محمد على مشاق الأوامر ويدخل فيه الأمة بالتبعية وقد كانت العادة القرآنية على إجراء أكثر خطابات الأوامر على النبي عليه السلام، وأكثر خطابات النهي على الأمة اعتباراً للأصالة في الاتصاف والتنزه والاجتناب فافهم فإن الله لا يضيع أجر المحسنين في أعمالهم صلاة كانت أو صبراً أو غيرهما من فرائض الإسلام ومندوبات الأعمال ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، أي : يوفيهم أجور أعمالهم من غير بخس أصلاً، وإنما عبر عن ذلك بنفي الإضاعة مع أن عدم إعطاء الأجر ليس بإضاعة حقيقة كيف لا والأعمال غيرم موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها، لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يمتنع صدوره عنه سبحانه من القبائح وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة، وهو تعليل للأمر بالصبر، وفيه إيماء إلى أن الصبر من باب الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه لأنه إذا قدر المرء على هذه المشاهدة هان عليه الصبر وغيره من مر الأحكام ولا يكون هذا الإحسان إلا بالإخلاص وإخلاص السريرة.
كر نباشد نيت خالص ه حاصل از عمل
وكان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بثلاث كلمات، من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.
واعلم : أن الله تعالى أمر ونهى ومراده إطاعة عباده له في كل ما يأتون وما يذرون فإن فلاحهم في ذلك ولا يرضى الله منهم إلا بالطاعة والتسليم والقبول.
قال الحافظ :
مزن زون ورا دمكه بنده مقبول
قبول كرد بجان هر سخن كه جانان كفت
وعن أبي بكر الوراق قال : طلبنا أربعة أشياء سنين فوجدناها في أربعة.
طلبنا رضى الله تعالى فوجدناه في طاعته، وطلبنا السعة في المعيشة فوجدناها في صلاة الضحى، وطلبنا سلامة الدين فوجدناها في حفظ اللسان، وطلبنا نور القبر فوجدناه في صلاة الليل، فعلى العاقل السعي في طريق الطاعات وتنوير القلب بنور العبادات.
وفي التأويلات النجمية : واصبر أيها الطالب الصادق والعاشق الوامق على صرف الأوقات في طلب المحبوب بدوام الذكر ومراقبة القلب وترك الشهوات ومخالفة الهوى والطبيعة فإن الله لا يضيع أجر المحسنين أي سعي الطالبين كما قال : ألا من طلبني وجدني لأن من سنة كرمه قوله : من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً والمقصود من الحديث القدسي بيان سعة فيضه وجوده على عباده، والتقرب إلى الله تعالى إنما يكون بقطع التعينات، ورفع حجب الكثرة عن وجه الوحدة الذاتية إلا أن ذلك مشروط
١٩٩
بشرائط ومربوط بالأسباب في الصورة الظاهرة، ولا تقيد تلك الشرائط والأسباب إلا بالجذبة الإلهية والدعوة الربانية، فمن دعاه وأزال الموانع عن طريقه فقد وصل وإلا فقد انقطع دونه الطرق وبقى متحيراً مبهوتاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٧
داد حق را قابليت شرط نيست
بلكه شرط قابليت داد اوست
اللهم ارحمنا فإن ذنوبنا قد جلت وحجبنا قد كثفت وحيلنا قد انقطعت وما بقي إلا التوفيق منك والعفو والغفران واللطف والكرم والإحسان إنك أنت المحسن في كل زمان ومكان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٧
﴿فَلَوْلا﴾ كان لولا بمعنى هلا وكان بمعنى وجد.
والمعنى بالفارسية (س را نبود) من القرون الهالكة الكائنة من قبلكم على رأي من جوز حذف الموصول مع بعض صلته أو كائنة من قبلكم على أن يكون حالاً وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم.