قال في القاموس : القرن مائة سنة، وهو الأصح، لقوله عليه السلام لغلام : عش قرناً فعاش مائة سنة وكل أمة هلكت فلم يبق منها أحد لألوا بقية أصحاب فضل وخير وسمى الفضل والجودة بقية على أن يكون الهاء للنقل كالذبيحة، لأن الرجل إنما يستبقي مما يكسبه عادة أجوده وأفضله فصار مثلاً في الجودة والفضل، يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ومنه ما قيل : في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا ينهون المفسدين نعت لأولوا عن الفساد في الأرض الواقع منهم حسبما حكى عنهم ومعناه جحد أي لم يكن فيهم أولوا بقية ينهون حتى لا ينزل العذاب بهم إلا قليلاً ممن أنجينا منهم استثناء منقطع أي لكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وهم اتباع الأنبياء وسائرهم تاركوا النهي، ومن في ممن للبيان لا للتبعيض، لأن جميع الناجين ناهون واتبع الذين ظلموا عطف على مضمر دل عليه الكلام أي لم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا بمباشرة الفساد وترك النهي عنه، فيكون العدول إلى المظهر لإدراج المباشرين معهم في الحكم والتسجيل عليهم بالظلم وللإشعار بعلية ذلك لما حاق بهم من العذاب.
ما اترفوا فيه الأتراف الأنعام من الترف وهو النعمة أي أنعموا فيه من الشهوات واللذات وآثروها على أمر الآخرة، ويقال رفته النعمة أي أطغته.
فالمعنى ما أطغوا فيه على أن يكون فيه للسببية والمراد هو الأموال والأملاك قال الله تعالى : إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (العلق : ٦ ـ ـ ٧) يعني اهتموا بكسبها وبذلوا وسعهم في تحصيلها وجمعها واعرضوا عما وراءها.
أما المباشرون فظاهر.
وأما المتساهلون فلما لهم في ذلك من نيل حظوهم الفاسدة ﴿وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ عطف على اتبع وهذا بيان لسبب استئصال الأمم المهلكة وهو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتباع الشهوات وفي الحديث : إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروا فلا ينكرون فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة فكل قوم لم يكن فيهم آمر بالمعروف وناه عن المنكر من أرباب الصدق وهم مجتمعون على الفساد أو لا يأتمرون بالأمر بالمعروف ولا ينتهون بالنهي عن المنكر فإنهم هالكون.
قال السعدي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٠
كرت نهى منكر برآيد ز دست
نشايد و بى دست وايان نشست
بكو آنه دانى سخن سودمند
وكر هي كس را نيايد سند
٢٠٠
و دست وزبانرا نماند مجال
بهمت نمايند مردى رجال
وما كان ربك ليهلك القرى اللام لام الجحود عند البصريين وينتصب الفعل بعدها بإضمار إن وهي متعلقة بخبر كان المحذوف، أي : مريداً لإهلاك أهل القرى وقال الكوفيون : يهلك خبر كان زيدت اللام دلالة على التأكيد بظلم حال من الفاعل، أي : ظالماً لها بغير ذنب واستحقاق للهلاك بل استحال ذلك في الحكمة.
وأهلها مصلحون غير ظالمين حال من المفعول.
والمراد تنزيه الله تعالى عن الظلم بالكلية بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى وإلا فلا ظلم فيما فعل الله بعباده كائناً ما كان.
وقيل قوله : بظلم متعلق بالفعل المتقدم والمراد به الشرك.
والمعنى ليهلك القرى بسبب شرك أهلها وبمجرده وهم مصلحون فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فساداً آخر، وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه ولهذا قال الفقهاء حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة وحقوق العباد مبنية على المضايقة وقدموا عند تزاحم الحقوق حقوق العباد.
والحاصل : أن عذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين للشرك والكفر بل إنما ينزل ذلك العذاب إذا خانوا في المعاملات، وسعوا في أذى الخلق وظلمهم، وإنما لم يهلكهم بمجرد شركهم لأن مكافاة الشرك النار لا ما دونها، وإنما يهلكهم بمعاصيهم زيادة على شركهم مثل قوم صالح بعقر الناقة، وقوم لوط بالأفعال الخبيثة، وقوم شعيب بنقصان الكيل والوزن، وقوم فرعون بإيذائهم موسى وبني إسرائيل.
قال بعضهم : الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظلم.
واشتهر انو شروان بالعدل اشتهار حاتم بالجود حتى صار العادل لقباً له فلفظ العادل إنما يطلق عليه لعدم جوره وظهور عدله لا لمجرد المدح له والثناء عليه.
وأما سلاطين الزمان فلظهور جورهم وعدم اتصافهم بالعدل منعوا عن إطلاق لعادل عليهم إذا إطلاقه عليهم حينئذٍ يكون بمجرد المدح لهم والثناء عليهم فيكون كذباً وكفراً حكى أن انوشروان لما مات كان يطاف بتابوته في جميع مملكته وينادي منادٍ من له علينا حق فليأت فلم يوجد أحد في ولايته له عليه حق من درهم.
شه كسرى از ظلم ازان ساده است
كه در عهد أو مصطفى زاده است


الصفحة التالية
Icon