قال في الإحياء : المانع من الوصول عدم السلوك والمانع من السلوك عدم الإرادة والمانع من الإرادة عدم الإيمان وسبب عدم الإيمان عدم الهداية انتهى.
قرب توبا سباب وعلل نتوان يافت
بى سابقه فضل ازل نتوان يافت
قال في التأويلات النجمية : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة في طلب الحق ولا يزالون الخلق مختلفين في الطلب فمنهم من طلب الدنيا ومنهم من طلب الآخرة منهم من طلب الحق إلا من رحم ربك فأخرجهم بنور رحمته من ظلمة طبيعتهم الجسمانية والروحانية إلى نور طلب الربوبية فلا يكونون طلاباً للدنيا والعقبى، بل يكونون طلاب جمال الله وجلاله ولذلك خلقهم أي ولطلب الله تعالى خلقهم وأكرمهم بحسن استعداد الطلب ورحمهم على توفيق الطلب وفضلهم على العالمين بفضيلة الوجدان وتمت كلمة ربك في الأزل : إذ قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي لأملأن جهنم من الجنة أي من الأرواح المستهلكة المتمردة وهم إبليس واتباعه والناس وهم النفوس الأمارات بالسوء أجمعين كلهم من الفريقين المعرضين عن الله تعالى وطلبه انتهى.
قال المولى الجامي قدس سره :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠١
يا من ملكوت كل شيء بيده
طوبى لمن ارتضاك ذخرا لغده
اين بس كه دلم جز توندارد كامى
توخواه بده كام دلم خواه مده
وقال المغربي قدس سره :
نيست درباطن أرباب حقيقت جز حق
جنت أهل حقيقت بحقيقت اينست
فإذا عرفت حقيقة الحال وسر هذا الكلام فجرد همتك من لباس علاقة كل حال ومقام وصر واصلاً إلى الله حاصلاً عنده هو غاية المرام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠١
﴿وَكُلا﴾ مفعول به لنقص وتنوينه عوض عن المضاف إليه المحذوف أي كل نبأ وخبر نقص عليك نخبرك به من أنباء الرسل بيان لكل أو صفة لما أضيف إليه كل لا لكلاً، لأن الفصيح وصف المضاف إليه ومن للتبعيض.
ما نثبت به فؤادك بدل من كلا أو صفة لما أضيف إليه، والأظهر أن يكون المضاف إليه المحذوف في كلا المفعول المطلق لنقص، أي : كل اقتصاص، أي كل أسلوب من أساليبه نقص عليك من أنباء الرسل.
وقوله ما نثبت به فؤادك مفعول نقص أي ما نشد به قلبك حتى يزيد يقينك ويطيب به نفسك وتعلم أن الذي فعل بك قد فعل بالأنبياء قبلك، والإنسان إذا ابتلى بمحنة وبلية، فرأى جماعة يشاركونه فيها خف على قلبه بليته كما يقال البلية إذا عمت خفت وطابت.
قال القاشاني رحمه الله في شرح التائية : للقلب وجه إلى الروح يسمى فؤاداً وهو محل الشهود كما قال سبحانه : ما كذب الفؤاد ما رأى}(النجم : ١١) ووجه إلى النفس يسمى صدراً وهو محل صور العلوم والقلب عرش
٢٠٣
الروح في عالم الغيب كما أن العرش قلب الكائنات في عالم الشهادة انتهى ﴿وَجَآءَكَ﴾ في هذه السورة على ما فسره ابن عباس رضي الله عنهما في منبر البصرة وعليه الأكثر الحق ما هو حق وبيان صدق وتخصيصها بالحكم بمجيء الحق فيها مع أن ما جاءه في جميع السور حق يحق تدبره وإذعانه والعمل بمقتضاه تشريفاً لها ورفعاً لمنزلتها وموعظة ونصيحة عظيمة وذكرى وتذكرة للمؤمنين لأنهم هم المنتفعون بالموعظة والتذكير بأيام الله وعقوبته.
قال في الإرشاد : أي الجامع بين كونه حقاً في نفسه وكونه موعظة وذكرى للمؤمنين ولكون الوصف الأول حالاً له في نفسه حلى باللام دون ما هو وصف له بالقياس إلى غيره وتقديم الظرف أعني في هذه على الفاعل لأن المقصود بيان منافع السورة لا بيان ذلك فيها لا في غيرها.
وقل للذين لا يؤمنون بهذا الحق ولا يتعظون به ولا يتذكرون من أهل مكة وغيرهم.
اعملوا على مكانتكم أي : حالكم وجهتكم التي هي عدم الإيمان.
إنا عاملون على حالنا وهو الإيمان به والاتعاظ والتذكير به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٣
﴿وَانتَظِرُوا﴾ بنا الدوائر والنوائب على ما يعدكم الشيطان.
إنا منتظرون أن ينزل بكم ما نزل بأمثالكم من الكفرة على ما وعد الرحمن فهذا تهديد لهم لا إن الآية منسوخة بآية السيف.
واعلم أن تثبيت القلوب على الدين والطاعة إلى الله تعالى لا إلى غيره، لأنه تعالى أسنده إلى ذاته الكريمة وأن التثبت يكون منه بالواسطة وبغير الواسطة فإما بالواسطة فهنا كما قال : ما نثبت به أي : بالأنباء عن أقاصيص الرسل كقوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}(إبراهيم : ٢٧) وإما بغير الواسطة فكقوله تعالى :﴿وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَـاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـاًا قَلِيلا﴾ (الإسراء : ٧٤) وهذا التثبيت من إنزال السكينة في قلبه بغير واسطة كقوله :﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَه عَلَى رَسُولِهِ﴾ (الفتح : ٢٦) وكقوله :﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَـانًا مَّعَ إِيمَـانِهِمْ﴾ (الفتح : ٢٦).


الصفحة التالية
Icon