جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٧
وكون هذه الحروف المبسوطة مما ليس لها وضع لغوي أو عرفي معلوم، لا ينافي أن يكون لها معان حقيقية في الحقيقة، فإن الواضع هو الله تعالى فيحتمل أنه وضع لها معاني معلومة لخلص عباده، بل الاحتمال مرفوع حيث إن نزول حرف التهجي على أبينا آدم عليه السلام
٢٠٧
يحقق موضعيتها، فقول العلماء إنها تعديد على نمط التحديد ليس له كثير معنى فافهم جداً، وفي الحديث : سألني ربي أي : ليلة المعراج فلم استطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد أي يد قدرته لأنه سبحانه منزه عن الجارحة فوجدت بردها فأورثني علوم الأولين والآخرين وعلمني علوماً شتى، فعلم أخذ عليّ كتمانه ؛ إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري وعلم خيرني فيه وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي وهي الأنس والجن والملك كما في إنسان العيون.
تلك السورة وأشير إليها بما يشير إلى البعيد لأنه وصل من المرسل إلى المرسل فصار كالمتباعد، أو لأن الإشارة لما كانت إلى الموجود في الذهن أشير به إيماء إلى بعده عن حيز الإشارة لما إنها تكون بمحسوس مشاهد وهو مبتدأ خبره قوله : آيات الكتاب أي : القرآن المبين من أبان بمعنى بان أي وضح وظهر أي الظاهر أمره في كونه من عند الله تعالى وفي إعجازه، أو بمعنى بين وأوضح أي المبين لما فيه من الأحكام والشرائع وخفايا الملك والملكوت وأسرار النشأتين وغير ذلك من الحكم والمعارف والقصص.
وفي بحر العلوم الكتاب المبين هو اللوح وإبانته أنه قد كتب وبين فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة ولما وصف الكتاب بما يدل على الشرف الذاتي عقب ذلك بما يدل على الشرف الإضافي فقيل :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٧
﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَـاهُ﴾ أي : الكتاب المتضمن قصة يوسف وغيرها في حال كونه قرآناً عربياً بلغتكم، فعربياً نعت لقرآنا نعت نسبة، لا نعت لزوم، لأنه كان قرآناً قبل نزوله فلما نزل بلغة العرب نسب إليها كما في الكواشي.
وقرآناً حال موطئة، أي توطئة للحال التي هي عربياً لأنه في نفسه لا يبين الهيئة وإنما بينها للغير وهي ما يتبعها من الصفة فإن الحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة فكأن الاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال في الحقيقة بمجيئه قبلها موصوفاً بها كما في شرح الكافية للعلامة.
لعلكم تعقلون أي : لكي تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه وتطلعوا على أنه خارج عن طوق البشر، منزل من عند خلاق القوى والقدر، والعقل إدراك معنى الكلام والعلة على التشبيه والاستعارة، فإن أفعال الله تعالى لا تعلل بالأغراض عند أهل السنة.
وقال في بحر العلوم : لعل مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ العرب معناه أو معنى الترجي أي أنزلنا قرآنا عربياً إرادة أن تعقله العرب ويفهموا منه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولوا لنبيهم ما خوطبنا به كما قال : ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته}(فصلت : ٤٤).
وفي "التأويلات النجمية" :{الر يشير بألف إلى الله وباللام إلى جبريل وبالراء إلى الرسول، أي ما أنزل الله تعالى على لسان جبريل على قلب الرسول دلالات الكتاب من المحبوب إلى المحب ليهتدي المحب بالبيان طريق الوصول إلى المحبوب إنا كسوناه للقراءة كسوة العربية لعلكم تعقلون حقائق معانيه وأسراره ومبانيه وإشاراته بها إذ هي لغتكم، كما أنزلنا التوراة على أهلها بلغة العبري، والإنجيل بلغة السرياني، يشير به إلى أن حقيقة كلام الله تعالى منزهة في كلاميته عن كسوة الحروف والأصوات واللغات ولكن الخلق يحتاجون في تعقل معانيه إلى كسوة الحروف واللغات.
وفي الآيات دليل على شرف اللسان العربي وفي كلام الفقهاء العرب أولى الأمم لأنهم المخاطبون أولاً والدين عربي، وفي
٢٠٨
الحديث : أحب العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي وفي الحديث : إن لواء الحمد يوم القيامة بيدي وإن أقرب الخلق من لوائي يومئذٍ العرب وفي الحديث : إذا ذلت العرب ذل الإسلام وفي الحديث : إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل فقسم الناس قسمين : قسم العرب قسماً، وقسم العجم قسماً وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين قسم اليمن قسماً، وقسم مضر قسماً وكانت خيرة الله في مضر وقسم مضر قسمين فكانت قريش قسماً وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير من أنا منه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٨
تازىء يثربى لقب مكى هاشمي نسب
معتكف سراى وحى امى امتي سراى