يقول الفقير : ولكون رسول الله عربياً جاء وارثه الأكمل من العرب، وهو حضرة الشيخ الأكبر والمسك الأذفر والكبريت الأحمر محيي الدين بن عربي قدس الله نفسه الزاكية، وإنما قلت بكونه الوارث الأكمل لكونه خاتمة الولاية الخاصة المحمدية فهو من أكمل مظاهر هذه المرتبة وفيه ظهر التفضيل الذي لم يظهر في غيره ومن عداه طفيلي مائدته في هذا الباب وبهذا المعنى نصرح به ولا نكني وليمت المنكر بغيظه وغضبه ونعوذ بالله من سوء الاعتقاد.
نحن نقص عليك نخبرك ونحدثك.
وبالفارسية (ما ميخوا نيم برتو) من قصى أثره إذا اتبعه لأن من يقص الحديث ويرويه يتبع ما حفظ منه شيئاً فشيئاً كما يقال تلا القرآن إذا قرأه لأن من يتلو يتبع ما حفظ منه آية بعد آية.
أحسن القصص مفعول به لنقص على أن يكون القصص مصدراً بمعنى المقصوص أي نبين لك أحسن ما يقص من الأنباء والأحاديث وهو قصة آل يعقوب والظاهر أنه أحسن ما يقص في بابه كقولك فلان أعلم الناس وأفضلهم تريد في فنه كما في بحر العلوم أي فلا يلزم أن يكون أحسن من قصة سيد الكونين والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ويمكن أن يقال قد يراد بافعل الزيادة من وجه كما في قوله تعالى :﴿أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ (الزخرف : ٤٨) كما في "حواشي" سعدى المفتي قال محيي السنة سمى الله قصة يوسف أحسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التي تصلح للدين والدنيا من سير الملوك والمماليك، ومكر النساء، والصبر على أذى الأعداء، والتجاوز عنهم بعد الاقتدار وغير ذلك من الفوائد.
وقال بعضهم : لأن يوسف عليه السلام كان أحسن أبناء بني إسرائيل ونسبه أحسن الأنساب كما قال صلى الله عليه وسلّم "إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" والكرم اسم جامع لكل ما يحمد به، واجتمع في يوسف مع كونه ابن ثلاثة أنبياء متراسلين شرف النبوة وحسن الصورة وعلم الرؤيا ورياسة الدنيا وحياطة الرعايا في القحط والبلايا فأي رجل أكرم من هذا؟.
وقال بعضهم : لأن دعاءه كان أحسن الأدعية توفني مسلماً وألحقني بالصالحين وهو أول من تمنى لقاء الله تعالى بالموت.
غافلان ازموت مهلت خواستند
عاشقان كفتند نى نى زود باش
وتزويجه أحسن التزويج، وفي قصة تزويجه صفة فرقة ووصلة، وصلة وغربة، وتلطيف وتعنيف وعشق وعاشق ومعشوق، وحبس وخلاص، وقيد وعبودية، وعتق، وتعارف وتناكر، وإقبال
٢٠٩
وفرار، ونفحة وجذبة، وإشارة وبشارة، وتعبير وتفسير، وتعسير وتيسير، وأودع في قصته ما لم يودع في غيره من اللطائف وأنواع المعاملات مما يروح الأرواح ويهيج الأشباح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٨
يقول الفقير : لا يبعد أن يقال إن قصة يوسف أحسن الأقاصيص السالفة في سورة هود في باب تسلية النبي صلى الله عليه وسلّم وفي نفسها أيضاً إذ ما يتعلق بالمحبوب محبوب وما ينبىء عن الأحسن أحسن كما قال المولى الجامي :
بس دلكش است قصه خوبان وزان ميان
تو يوسفي وقصه تو أحسن القصص
وسيجيء ذكر الملاحة المتعلقة بجناب يوسف وحضرة الرسالة عليهما السلام.
وقال بعضهم : هي أول قصة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهي أوجز لفظاً وأجمع معنى، مترجمة في الحقيقة عن أسرار الوراثة والخلافة والروح والقلب والقوى وتصفية النفس الأمارة التي ظهرت أولاً في صورة زليخا ثم أسلمت وتزكت وصفت إلى أن وصلت إلى مقام الرضى والامتنان بعدهمها بأماريتها ثم اجتمعت بالروح اليوسفي بعد انقياد قواها في صورة الأخوة.
وقال في "التأويلات النجمية" إنما كانت أحسن القصص لأن لها مناسبة ومشابهة بأحوال الإنسان ورجوعه إلى الله ووصوله إليه وذلك لأنها تشير إلى معرفة تركيب الإنسان من الروح والقلب والسر والنفس وحواسه الخمس الظاهرة وقواه الست الباطنة والبدن وابتلائه بالدنيا وغير ذلك إلى أن يبلغ الإنسان أعلى مراتبه فإشارة يوسف إلى القلب ويعقوب إلى الروح وراحيل إلى النفس وأخوة يوسف إلى القوى والحواس ثم إن القرآن مع اشتماله على مثل هذه القصة البديعة وغيرها من عجائب البيان طعن فيه الكفار لكونهم عن غير أولى الأبصار وفي "المثنوى" :
ون كتاب الله بيامد هم بران
ايننين طعنه زدند آن كافران
كه اساطير است وافسانه نند
نيست تعميقي وتحقيقي بلند
ذكر يوسف ذكر زلف ور مش
ذكر يعقوب وزليخاى غمش
ونعم ما قال حضرة الشيخ السعدي قدس سره :
كسى بديده انكار اكر نكاه كند
نشان صورت يوسف دهدبنا خوبى
وكر بشم ارادت نكه كند درديو
فرشته اش بنمايد بشم كروبى
﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ﴾ (الشورى : ٥٢) وقوله :﴿وَوَجَدَكَ ضَآلا﴾ (الضحى : ٧) ونحوهما فإن مثل هذا التعبير إنما هو بالنسبة إلى الله تعالى وقد تعارفه العرب من غير أن يخطر ببالهم نقص ويجب علينا حسن الأداء في مثل هذا المقام رعاية للأدب في التعبير وتقرير
٢١٠