الكلام مع أن الزمان وأهله قد مضى وانقضت الأيام والأنام اللهم اجعلنا فيمن هديتهم إلى لطائف البيان ووفقتهم لما هو الأدب في كل أمر وشأن إنك أنت المنان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٨
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ﴾ أي : اذكر يا محمد وقت قول يوسف وهو اسم عبري ولذا لم ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان عربياً لانصرف والعبري والعبراني لغة إبراهيم عليه السلام كما إن السرياني هي اللغة التي تكلم بها آدم عليه السلام.
قال السيوطي السرياني منسوب إلى سريانة وهي أرض الجزيرة التي كان نوح وقومه قبل الغرق فيها وكان لسانهم سريانياً إلا رجلاً واحداً يقال له جرهم وكان لسانه عربياً.
قال في أنوار المشارق : من اللطائف الاتفاقية أن الأسف في اللغة الحزن والأسيف العبد وقد اتفق اجتماعهما في يوسف لأبيه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
قال بعض من مال إلى الاشتقاق في هذه الأسماء : إنما سمى يعقوب ؛ لأن يعقوب وعيصا كانا توأمين فاقتتلا في بطن أمهما حيث أراد يعقوب أن يخرج فمنعه عيص وقال : لئن خرجت قبلي لاعترضن في بطن أمي فلاقتلنها فتأخر يعقوب، فخرج عيص فأخذ يعقوب بعقب عيص فخرج بعده فلهذا سمى به، وسمى الآخر عيصاً لما عصى وخرج قبل يعقوب، وكان عيص رجلاً أشعر، وكان يعقوب أجرد، وكان عيص أحبهما إلى أبيه، وكان يعقوب أحبهما إلى أمه وكان عيص صاحب صيد وكان يعقوب صاحب غنم فلما كبر إسحاق وعمي قال لعيص يوماً : يا بني، أطعمني لحم صيد واقترب مني ادع لك بدعاء دعا لي به أبي هو دعاء النبوة، وكان لكل نبي دعوة مستجابة، وأخر رسولنا دعاءه للشفاعة العظمى يوم القيامة، فخرج عيص لطلب صيد فقالت أمه ليعقوب يا بني اذهب إلى الغنم فاذبح منها شاة ثم اشوها والبس جلدها وقدمها إلى أبيك قبل أخيك وقل له أنا ابنك عيص لعله يدعو لك ما وعده لأخيك فلما جاء يعقوب بالشواء قال يا بت كل قال : من أنت؟ قال : أنا ابنك عيص فمسه فقال المس مس عيص والريح ريح يعقوب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١١
يقول الفقير : والأسلم أن يقال إن أمه أحضرت الشواء بين يدي إسحاق وقالت إن ابنك جاءك بشواء فادع له فظن إسحاق أنه عيص فأكل منه، ثم دعا لمن جاء به أن يجعل الله في ذريته الأنبياء والملوك فذهب يعقوب، ولما جاءه عيص قال يا أبت قد جئتك بالصيد الذي أردت فعلم إسحاق الحال وقال يا بني قد سبقك أخوك ولكن بقيت لك دعوة فهلم ادعو لك بها فدعا أن يكون ذريته عدد التراب فأعطى الله له نسلاً كثيراً وجملة الروم من ولده روم، وكان إسحاق متوطناً في كنعان، وإسماعيل مقيماً في مكة، فلما بلغ إسحاق إلى مائة وثمانين من العمر وحضرته الوفاة وصى سراً بأن يخرج يعقوب إلى خاله في جانب الشام، حذراً من أن يقتله أخوه عيص حسداً لأنه أقسم بالله في قصة الشواء أن يقتل يعقوب، فانطلق إلى خاله ليا بن ناهز، وأقام عنده وكان لخاله بنتان أحداهما لايا، وهي كبراهما والأخرى راحيل، وهي صغراهما فخطب يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما، فقال له خاله : هل لك مال قال لا ولكن اعمل لك فقال نعم صداقها أن تخدمني سبع سنين فقال يعقوب : أخدمك سبع سنين على أن تزوجني راحيل قال ذلك بيني وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فزوجه الكبرى وهي لايا، قال له يعقوب إنك خدعتني إنما أردت راحيل فقال له خاله إنا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة فهلم فاعمل سبع سنين
٢١١
أخرى فازوجك أختها وكان الناس يجمعون بين الأختين إلى أن بعث الله موسى عليه السلام فرعى له سبع سنين أخرى فزوجه راحيل فجمع بينهما وكان خاله حين جهزها دفع إلى كل واحدة منهما أمة تخدمها اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهة، فوهبتا الأمتين ليعقوب، فولدت لايا ستة بنين وبنتاً واحدة روبيل.
شمعون.
يهودا.
لاوى.
يسجر.
زيالون.
دنية.
وولدت زلفة ابنين دان.
يغثالى.
وولدت بلهة أيضاً ابنين جاد، آشر، وبقيت راحيل عاقراً سنين ثم حملت وولدت يوسف وليعقوب من العمر إحدى وتسعون سنة، وأراد يعقوب أن يهاجر إلى موطن إبيه إسحاق بكل الحواشي، وكان ليوسف خال له أصنام من ذهب فقالت لايا ليوسف : اذهب واسترق منه صنماً لعلنا نستنفق منه فذهب يوسف فأخذ صنماً.
يقول الفقير : والأسلم أن خاله وهو أبو امرأته جهزه كما في بعض الكتب فخرج وقد رفع الله ما في قلب عيص من العداوة :
كفر ايمان كشت وديو اسلام يافت
آن طرف كان نور بي اندازه يافت


الصفحة التالية
Icon