فلما التقيا تعانقا وكانا على المصافاة، وفي سنة الهجرة حملت راحيل ببنيامين وماتت في نفاسها ويوسف ابن سنتين، وكان أحب الأولاد إلى يعقوب وحين صار ابن سبع سنين رأى في المنام أن أحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة، وإذا عصا صغيرة تثبت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه، فقال : إياك أن تذكر هذا لأخوتك ثم رأى ليلة الجمعة، وكانت ليلة القدر وهو ابن ثنتي عشرة سنة أو سبع عشرة ما حكى الله تعالى عنه بقوله : يا أبت (كويند يوسف دركنار در در خواب بودناكاه سراسيمه ازخواب بود نا كاه سراسيمه ازخواب در آمد س يعقوب كفت اي سر تراه رسيد كفت) يا أبت : واصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في أن كل واحدة زيادة مضمومة إلى آخر الاسم، أو لأن التاء تدل في بعض المواضع على التفخيم كما في علامة ونسابة، والأب والأم مظنتا التفخيم كما اختاره الرضى.
والمعنى بالفارسية (اي در خواب عجب ديدم).
إني رأيت في المنام فهو من الرؤيا لا من الرؤية لقوله : لا تقصص رؤياك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١١
قال في الكواشي : الرؤيا في المنام والرؤية في العين والرأي في القلب أحد عشر كوكباً والشمس والقمر (من برسر كوهى بلند بودم كه حوالى أو انهار جاري وأشجار سبزبود) وعطف الشمس والقمر على كوكباً تخصيصاً أي لإظهار شرفهما على سائر الطوالع كعطف الروح على الملائكة ثم استأنف على تقدير كيف رأيت فقال رأيتهم لي ساجدين (اين ستار كان ونيرين فرود آمدند ومن در ايشان نكرستم ديدم مرا سجود كنند كان) أي سجدة تحية لا سجدة عبادة.
قال ابن الشيخ : لفظ السجود يطلق على وضع الجبهة على الأرض سواء كان على وجه التعظيم والإكرام أو على وجه العبادة، ويطلق أيضاً على التواضع والخضوع، وإنما أجريت مجرى العقلاء في الضمير لوصفها بوصف العقلاء أعني السجود روى عن جابر أن يهودياً جاء رسول الله فقال : أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت النبي عليه الصلاة والسلام فنزل جبريل فأخبره بذلك فقال عليه السلام :
إذا أخبرتك بذلك هل تسلم قال نعم قال عليه السلام : جريان، والطارق، والذيال، وقابس، وعمودان، والفليق، والمصبح، والضروح، والفرغ، ووثاب، وذو الكتفين رآها يوسف والشمس
٢١٢
والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي أي والله إنها لأ سماؤها.
واعلم أن يوسف رأى أخوته في صورة الكواكب ؛ لأنه يستضاء بالأخوة ويهدي كما يهدي بالكواكب ورأى أباه وخالته ليا في صورة الشمس والقمر، وإنما قلنا خالته ؛ لأن أمه ماتت في نفاس بنيامين كما مر وسجودهم له دخولهم تحت سلطنته وانقيادهم كما سيأتي في آخر القصة.
قال في الإرشاد ولا يبعد أن يكون تأخير الشمس والقمر إشارة إلى تأخر ملاقته لهما عن ملاقاته لأخوته.
والإشارة : بالأحد عشر كوكباً إلى الحواس الخمس الظاهرة، من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والقوى الست الباطنة من المفكرة والمذكرة والحافظة والمخيلة والواهمة والحس لمشترك فإن كل واحدة من هذه الحواس والقوى كوكب مضيء يدرك به معنى مناسب له وهو أخوة يوسف القلب لأنهم تولدوا بازدواج يعقوب الروح وراحيل النفس كلهم بنوا أب واحد.
والإشارة : بالشمس والقمر إلى الروح والنفس، ومقام كمالية الإنسان أن يكون للقلب سلطان يسجد له الروح والنفس والحواس والقوى كما سجد الملائكة لآدم أي تنقاد وتصير مسخرة مقهورة تحت يده وهذا هو الفتح المطلق الذي أشارت إليه سورة النصر، وليس لوارث ذا المقام بقاء في الدنيا غالباً أي بعد أن تحقق بحقيقته فافهم، جداً وكان شيخنا الأجل الأكمل من هذا القسم روح الله روحه، وأفاض علينا فتوحه، وهم يختارون المقام عند ربهم إذا وصلوا إلى نهاية مطالبهم كما قال المولى الجامي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١١
اكر كنند بمن عرض ديني وعقبي
من آستان توبر هردوجاى بكزينم
والموت أنسب لكونهم في مقام العندية لكون التفصيل البرزخي أكثر من التفصيل الدنيوي وإلا فهم ليسوا في الدنيا ولا في العقبى في حياتهم ومماتهم.


الصفحة التالية
Icon