والمراد بتأويل الأحاديث تعبير الرؤى جمع الرؤيا ؛ إذ هي إما أحاديث الملك إن كانت صادقة أو أحاديث النفس والشيطان إن لم تكن كذلك، وتسميتها تأويلاً لأنه يؤول أمرها إليه أي يرجع إلى ما يذكره المعبر من حقيقتها، والأحاديث اسم جمع للحديث ومنه أحاديث الرسول والحديث في اللغة الجديد، وفي عرف العامة الكلام وفي عرف المحدثين ما يحدث عن النبي عليه السلام فكأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن إذ ذاك قديم وهذا حادث.
وفي الصحاح الحديث ضد القديم ويستعمل في قليل الكلام وكثيره لأنه يحدث شيئاً فشيئاً.
ويتم نعمته عليك يا يوسف يجوز أن يتعلق بقوله يتم وأن يتعلق بنعمته أي بأن يضم إلى النبوة المستفادة من الاجتباء الملك ويجعله تتمة لها وتوسيط التعليم لرعاية الوجود الخارجي.
وعلى كرر على ليمكن العطف على الضمير المجرور.
آل يعقوب الآل وإن كان أصله الأهل إلا أنه لا يستعمل إلا في الأشراف بخلاف الأهل وهم أهله من بيته وغيرهم، فإن رؤية يوسف أخوته كواكب يهتدى بأنوارها من نعم الله عليهم لدلالتها على مصير أمرهم إلى النبوة فيقع كل ما يخرج من القوة إلى الفعل إتماماً لتلك النعمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٥
وقال سعدي المفتي غاية ما تدل رؤيتهم على صور الكواكب مجرد كونهم هادين للناس ولا يلزم أن يكون ذلك بالنبوة والظاهر أنه عليه السلام علم ذلك بالوحي انتهى.
يقول الفقير : لعل يعقوب انتقل من كونهم على صور الكواكب إلى نبوتهم لأن الفرد الكامل للهداية أن يكون ذلك بالنبوة ولذلك قد قال الله تعالى في حق الأنبياء.
وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}(الأنبياء : ٧٣) فاعرف ذلك.
﴿كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ نصب على المصدرية، أي : ويتم نعمته عليك إتماماً كائناً كإتمام نعمته على أبويك وهي نعمة الرسالة والنبوة.
من قبل أي : من قبل هذا الوقت أو من قبلك.
إبراهيم وإسحاق عطف بيان لأبويك والتعبير عنهما بالأب مع كونهما أبا جده وأبا أبيه للأشعار بكمال ارتباطه بالأنبياء الكرام.
قال في الكواشي الجد أب في الأصالة يقال فلان ابن فلان وبينهما عدة آباء انتهى.
أما إتمامها على إبراهيم فباتخاذه خليلاً وبانجائه من النار ومن ذبح الولد، وأما على إسحاق فبإخراج يعقوب والأسباط من صلبه، وكل ذلك نعم جليلة وقعت تتمة لنعمة النبوة ولا يجب في تحقيق التشبيه كون ذلك في جانب المشبه به مثل ما وقع في جانب المشبه في كل وجه.
والإشارة أن إتمام النعمة على يوسف القلب بأن يتجلى له ويستوى عليه إذ هو عرش حقيقي للرب تعالى دون ما سواه كما قال تعالى : لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن :
٢١٦
دردل مؤمن بكنجم اي عجب
كرمرا جوئى دران دلها طلب
ولهذا الاستحقاق كان يوسف القلب مختصاً بكمال الحسن، وإذا تجلى الله تعالى للقلب تنعكس أنوار التجلي من مرآة القلب على جميع المتولدات من الروح كالحواس والقوى وغيرهما من آل يعقوب الروح.
إن ربك أي : يفعل ما ذكر لأن ربك عليم أي : عليم حكيم أي : حكيم وهو معنى مجيئهما نكرتين، أي واسع العلم باهر الحكمة يعلم من يحق له الاجتباء ولا يتم نعمته إلا على من يستحقها، أو يفعل كما ما يفعل على مقتضى الحكمة والصواب.
اعلم أن الله تعالى قدم في بعض المواضع الاسم الحكيم على الاسم العليم وعكس في بعضها كما في هذا المقام، أما الأول فباعتبار حضرة العلم لأن العلم في تعلقه في الأعيان والحقائق العلمية تابع للحكمة، وذلك عبارة عن كونه تابعاً للمعلوم حيث تعلق به في تلك الحضرة على وجه ما أعطاه إياه من نفسه، وأما الثاني فهو باعتبار حضرة العين لأن الحكمة في تعلقها بالتعينات والصور المعينة تابعة للعلم، وهذا عبارة عن كون المعلوم تابعاً للعلم حيث إنما تعلقت بها في هذه الحضرة على وجه ما أعطاه العلم إياها من نفسه على الوجه الأول، فلا جرم أن المتبوع في أية مرتبة كان له التقدم، والتابع كذلك له التأخر جداً، ولا شك أن المعتبر إنما هو تقدم المعلومات على تعلق العلم بها بالذات في الحضرة الأولى، وتأخرها عنه في الثانية، والحكمة إنما هي ترتب تلك المعلومات في مراتبها ووضعها في مواضعها في أية حضرة كانت، وهذا الترتيب والوضع في أي : مرتبة كان إذا وقع من الحكيم العليم والعليم الحكيم بحسب اقتضاآت استعداداتها الكلية الأزلية وبقدر استدعاآت قابليتها الجزئية الأبدية في النشآت الدنيوية والبرزخية والنشرية والحشرية والنيرانية والجنانية والجسمانية والروحانية وغير ذلك من سائر النشاآت فافهم هداك الله إلى الفهم عن الله كذا في بعض تحريرات شيخنا الأجل ومرشدنا الأكمل قدس الله نفسه الزاكية وروح روحه في جميع المواطن كلها آمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٥


الصفحة التالية
Icon