﴿لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ﴾ أي بالله قد كان في قصة يوسف وحكاية إخوته الأحد عشر.
آيات علامات عظيمة الشأن دالة على قدرة الله القاهرة وحكمته الباهرة للسائلين لكل من سأل عن قصتهم وعرفها فإن كبار أولاد يعقوب بعد ما اتفقوا على إذلال أصغر أولاده يوسف وفعلوا به ما فعلوا قد اصطفاه الله للنبوة والملك وجعلهم خاضعين له منقادين لحكمه وإن وبال حسدهم له قد انقلب عليهم وهذا من أجل الدلائل على قدرة الله القاهرة وحكمته الباهرة.
وفي التفسير الفارسي (آورده اندكه ون يوسف خواب مذكوررا بادر تقرير كرد ويعقوب بكتمان آن وصيت فرمود وباجتباء واتمام نعمت أو مده داد بعض اززنان برادران او شنودند ونمازشام كه ايشان بخانه باز آمدند صورت حال را بازنمودند ايشانرا عرق حسد در حركت آمد بتدبير مهم مشغول شدند).
وقال يهودا وروبيل وشمعون : ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه فدبروا لإخراجه من البين كما حكى الله عنهم بقوله :
إذ قالوا (يا دكن آنراكه كفتند برادران يوسف بايكديكر) ليوسف (هرآينه يوسف) فلام الابتداء لتحقيق مضمون الجملة وتأكيده أي إن زيادة محبته لهما أمر محقق ثابت لا شبهة فيه وأخوه أي : شقيقه بنيامين والشقيق الأخ من الأب والأم وقد يقال للأخ
٢١٧
لأب شقيق كأنه شق معك ظهر أبيك وللأخ من الأم لأنه شق معك بطن أمك.
وفي القاموس الشقيق كأمير الأخ كأنه شق نسبه من نسبه انتهى.
وإنما لم يذكر باسمه تلويحاً بأن مدار المحبة أخوُّته ليوسف من الطرفين الأب والأم فالمآل إلى زيادة الحب ليوسف، ولذلك دبروا لقتله وطرحه ولم يتعرضوا لبنيامين أحب إلى أبينا منا أحب أفعل تفضيل مبني من المفعول شذوذاً، وحد الخبر مع تعدد المبتدأ لأن أفعل من كذا لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر والمؤنث، لأن تمامه بمن، ولا يثنى اسم التفضيل ولا يجمع ولا يؤنث قبل تمامه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٧
قال بعض العارفين : مال يعقوب إلى يوسف لظهور كمال استعداده الكلي في رؤياه حين رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين فعلم أبوه من رؤياه أنه يرث أباه وجده ويجمع استعدادات إخوته فكان يضمه كل ساعة إلى صدره ولا يصبر عنه فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له، وقيل لأن الله تعالى أراد ابتلاءه محبته إليه في قلبه ثم غيبه عنه ليكون البلاء أشد عليه لغيرة المحبة الإلهية، إذ سلطان المحبة لا يقبل الشركة في ملكه، والجمال والكمال في الحقيقةتعالى، فلا يحتجب أحد بما سواه، ولا كيد أشد من كيد الولد ألا ترى أن نوحاً عليه السلام دعا على الكفار فاغرقهم الله تعالى فلم يحترق قلبه فلما بلغ ولده الغرق صاح ولم يصبر وقال إن ابني من أهلي}(هود : ٤٥) ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي : والحال أنا جماعة قادرون على الحل والعقد أحقاء بالمحبة، وما معنى اختيار صغيرين ضعيفين على العشرة الأقوياء والعصبة والعصابة العشرة من الرجال فصاعداً وسموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم وتشتد، والنفر ما بين الثلاثة إلى الخمسة والرهط ما بين الخمسة إلى العشرة.
إن أبانا في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما وكونهما بمعزل من الكفاية بالصغر والقلة.
لفي ضلال أصل الضلال العدول عن القصد أي ذهاب عن طريق التعديل اللائق وتنزيل كل منا منزلته مبين ظاهر الحال نظروا إلى صورة يوسف ولم يحيطوا علما بمعناه فقالوا ما قالوا ولم يعرفوا أن يوسف أكبر منهم بحسب الحقيقة.
وفي المثنوى :
عارفي رسيد ازان ير كشيش
كه تواى خواجه مسنن ترياك ريش
كفت نى من يش ازو زائيده ام
بي زريشى بس هانرا ديده ام
كفت ريشت شد سفيد از حال كشت
خوى زشت تو نكر ديده است وشت
او س ازتو زاد وازتو بكذريد
تونين خشكى زسوداى ثريد
توبدان رنكى كه اول زاده
يك قدم زان يشتر ننهاده
همنان دوغى ترش درمعدنى
خود نكردى زو مخلص روغنى
قال في الكواشي : لا وقف من السائلين إلى صالحين لأن الكلام جملة محكية عنهم انتهى.
أي للتعلق المعنوي بين مقدم الكلام ومؤخره إلا أن يكون مضطراً بأن ينقطع نفسه فحينئذٍ يجب عليه أن يرجع إلى ما قبله ويوصل الكلام بعضه ببعض فإن لم يفعل أثم كما في بعض شروح الجزري وقرىء مبين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٧
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ بكسر وضم والمشهور الكسر، وجه الضم التبعية لعين الفعل وهي مضمومة.
فإن قلت : الحسد من أمهات الكبائر لا سيما وقد أقدموا بسبب ذلك على القتل
ونحوه وكل ذلك ينافي العصمة والنبوة.
قلت : المعتبر عصمة الأنبياء في وقت حصول النبوة فأما ما قبلها فذلك غير واجب كذا أجاب الامام.
وفي شرح العقائد : الأنبياء معصومون من الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع وكذا من تعمد الكبائر انتهى.