وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال : لا ينبغي للرجل أن يلقن الخصم الحجة لأن أخوة يوسف كانوا لا يعلمون أن الذئب يأكل الناس إلى أن قال ذلك يعقوب ولقنهم العلة في كيد يوسف، وفي الحديث : البلاء موكل بالمنطق ما قال عبد لشيء والله لا أفعله إلا ترك للشيطان كل شيء فولع به حتى يؤثمه وفي حديث : إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن ابتلى به يحكى أن ابن السكيت من أئمة اللغة جلس مع المتوكل يوماً فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال : أيما أحب إليك ابناي أم الحسن والحسين؟ قال : والله إن قنبر خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال : سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات في تلك الليلة.
ومن العجب أنه أنشد قبل ذلك إلى المعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢١
يصاب الفتى من عثرة بلسانه
وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تذهب رأسه
وعثرته في الرجل تبراً على مهل
والإشارة أن القلب ما دام في نظر الروح مراقباً له غير مشغول باستعمال الحواس والقوى من الروح أن يرسل يوسف القلب معهم إلى مراتعهم الحيوانية ليتمتعوا به في غيبة يعقوب الروح وهو لا يأمنهم عليه لأنه واقف في مكيدتهم وإنهم يدعون نصحه وحفظه من الآفات والقلب إذا بعد من الروح ونظره يقرب منه ذئب الشيطان ويتصرف فيه ويهلكه، وخسران جميع أجزاء الإنسان في هلاك القلب وربحها في سلامته.
فعلى العاقل أن لا يلعب بالدنيا كالصبيان، ويحترز عن فتنتها وآفاتها ولا يرى ترك عنان النفس حذراً من الوقوع في بئر الهوى ويجتهد في قمع الهوى ودفع الميل إلى ما سوى الله تعالى :
وصل ميسر نشود جز بقطع
قطع نخست ازهمه ببريدنست
عصمنا الله وإياكم من الاستماع إلى حديث النفس والشيطان وجعلنا وإياكم محفوظين من موجبات القطيعة والخذلان، إنه هو الكريم المنام المحسان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢١
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا﴾ به متصل بمحذوف، أي : فأذن له وأرسله معهم فلما ذهبوا به (س آن هنكام كه برادران ببردند يوسف را) والجواب محذوف وهو فعلوا به من الأذية ما فعلوا.
وتفصيل المقام أن يعقوب عليه السلام لما رأى إلحاح أخوة يوسف في خروجه معهم إلى الصحراء ومبالغتهم بالعهد واليمين، ورأى أيضاً ميل يوسف إلى التفرج والتنزه رضى بالقضاء فأذن فأمر أن يغسل بدن يوسف في طست كان أتى به جبريل إلى إبراهيم حين مجيء الفداء فأجرى فيه دم الكبش وأن يرجل شعره، ويدهن بدهن اسماعيل الذي جاء به جبريل من الجنة وأن يكحل ففعلوا ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وجرد عن ثيابه أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فالبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة وعلقها في عنق يوسف.
وقال الكاشفي (ون تعويذي بربازويش بست وبمشايعه فر زندان تاشجرة الوداع كه بردروازه كنعان بودبيرون آمد ويوسف رادركنار كرفته كريه كنان اغاز وداع كرد) :
٢٢٢
دل نمى خواست جدايى زتوا ماه كنم
دور أيام نه بر قاعده دلخواشنت
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
(يوسف كفت اي در سبب كريه يست كفت اي يوسف ازين رفتن تو رايحه اندوهى عظيم بمشام دل من ميرسد ونمى دانم كه سرا نجام كار بكجا خواهد كشيد بارى لا تنساني فإني لا أنساك مرافراموش مكن كه من ترانيز فراموش نخواهم كرد) فراموشى نه شرط دوستانست (س فرزندانرا درباب محافظه يوسف مبالغه بسيار فرمود) وهم جعلوا يحملونه على عواتقهم إكراماله وسرورا به، فذهبوا به (يعقوب درايشان مينكريست واز شوق لقاي فرزند ارجمند مى كريست)
هنوز سرو روانم زشم ناشده دور
دل ازتصور دورى وبيد لرزانست
(ون فرزندان ازيش نظروي غائب شدند روى بكنعان نهاد) فلمّا بعدوا به عن العيون تركوا وصايا أبيهم فالقوه على الأرض، وقالوا : يا صاحب الرؤيا الكاذبة أين الكواكب التي رأيتهم لك ساجدين حتى يخلصوك من أيدينا اليوم، فجعلوا يؤذونه ويضربونه وكلما لجأ إلى واحد منهم ضربه ولا يزدادون عليه إلا غلظة وحنقاً، وجعل يبكي بكاء شديداً وينادي يا أبتاه ماأسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك لو تعلم ما يصنع بابنك أولاد الإماء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٢
قال الكاشفي :(درخاك خواري كرسنه وتشنه بروى مي كشيدند تابهلاك نزديك رسيد) وقال بعضهم : فأخذه روبيل فجلد به الأرض ووثب على صدره وأراد قتله ولوى عنقه ليكسرها، فنادى يوسف يا يهودا وكان أرفقهم به اتقِ الله وحل بيني وبين من يريد قتلي، فأخذته رقة ورحمة فقال يهودا : ألستم قد أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه قالوا : بلى قال أدلكم على ما هو خير لكم من القتل ألقوه في الجب فسكن غضبهم، وقالوا : نفعل.
وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وعزموا على إلقاء يوسف في قعر الجب، وكان على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب بكنعان التي هي من نواحي الأردنّ، حفره شداد حين عمر بلاد الأردنّ، وكان أعلاه ضيقاً وأسفله واسعاً.


الصفحة التالية
Icon