الحيوانية، فإن وكل الإنسان إلى طبعه تكون الغلبة للنفس والبدن على الروح والقالب وهذا حال الأشقياء، وإن أيد القلب بالوحي في غيابة جب القلب إذا سبقت له العناية الأزلية تكون الغلبة للروح والقلب على النفس والبدن وهذا حال السعداء، فالأنبياء وكذا الأولياء مؤيدون من عند الله تعالى بالوحي والإلهام والصبر والاحتمال وإن كانوا في صورة الجفاء والجلال، وقد قضى الله تعالى على يعقوب ويوسف أن يوصل إليهما تلك الغموم الشديدة والهموم العظيمة ليصبرا على مرارتها ويكثر رجوعهما إلى الله تعالى وينقطع تعلق فكرهما عما سوى الله تعالى فيصلا إلى درجة عالية لا يمكن الوصول إليها إلا بتحمل المحن العظيمة كما قال بعض الكبار : سبب حبس يوسف في الجسن اثنتي عشرة سنة تكميل ذاته بالخلوة والرياضة الشاقة والمجاهدات مما تيسر له عند أبيه ومن هذا المقام اغترب الأنبياء والأولياء عن أوطانهم.
قال المولى الجامي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٢
بصبر كوش دلا روز هجر فائده يست
طبيب شربت تلخ ازبراى فائده ساخت
وقال بعضهم : ابتلى أبوه بفراقه لما في الخبر أنه ذبح جدياً بين يدي أمه فلم يرض الله تعالى ذلك منه، وأرى دماً بدم وفرقة بفرقة لعظمة احترام شأن النبوة ومن ذلك المقام حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقال بعضهم : استطعمه يوماً فقير فما اهتم بإطعامه فانصرف الفقير حزينا وفيه نظر كما قاله البعض لأن ذلك لا يليق بأخلاق النبوة.
وقال بعضهم : لما ولد يوسف اشترى يعقوب له ظئراً، وكان لها ابن رضيع فباع ابنها تكثيراً للبن على يوسف فبكت وتضرعت، وقالت : يا رب إن يعقوب فرق بيني وبين ولدي ففرق بينه وبين ولده يوسف فاستجاب الله دعاءها فلم يصل يعقوب إلى يوسف إلا بعد أن لقيت تلك الجارية ابنها وفي الحديث : لا توله والدة بولدها أي : لا تجعل والهة بتفريقه منها وذلك في السبايا كما في الجوهري، ومن أحاديث المقاصد الحسنة من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ومثل هذا وإن كان بعيداً بالنسبة إلى الأنبياء عليهم السلام إلا أن القضاء يفعل ما يفعل.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره : إذا شاء الحق إنفاذ قوله تعالى وكان أمر الله قدرا مقدوراً}(الأحزاب : ٣٨) على عموم الأفعال في العبد بإيفاء زلة منه يجري عليه القدر بما أراده ثم يرده إلى مقامه إن كان من أهل العناية والوصول.
قيل لأبي يزيد قدس سره : أيعصي العارف فقال :"وكان أمر الله قدراً مقدوراً".
قال الحافظ :
جايى كه برق عصيان بر آدم صفي زد
ما راه كونه زيبد دعوى بي كناهى
هذا بالنسبة إلى حال يعقوب وابتلائه.
وأما بالنسبة إلى يوسف فقد حكي إنه أخذ يوماً مرآة فنظر إلى صورته فأعجبه حسنه وبهاؤه فقال لو كنت عبداً فباعوني لما وجد لي ثمن فابتلى بالعبودية وبيع بثمن بخس وكان ذلك سبب فراقه من أبيه.
وفيه إشارة إلى أن الجمال والكمال كلهتعالى وإذا أضيف إلى العبد مجازاً فلا بد للعبد أن يجتهد إلى أن يصير حراً عما سوى الله تعالى ويتخلص من الاضافات والقيود ويرى الأمر كلهتعالى ويكون عبداً محضاً حقاًتعالى.
قال المولى الجامي :
كسوت خواجكى وخلعت شاهى ه كند
هر كرا غاشيه بند كيت بر دوش است
٢٢٥
وبالجملة إن طريق التصفية طريقة صعبة ومن أسبابها الأدب والمحنة ولذلك ورد "ما أوذى نبي مثل ما أوذيت" أي : ما صفى نبي مثل ما صفيت.
وذرة من محنة هذه الطريقة العلية أعلى من كثير من الكشف والكرامات وما ابتلى الله أحداً بمثل ما ابتلى به اصفياءه إلا اختاره لذاته ولعبوديته فافهم والله الهادي إلى الحقائق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٢
﴿وَجَآءُوا أَبَاهُمْ عِشَآءً﴾ ظرف أي في آخر النهار فإن العشاء آخر النهار إلى نصف الليل.
وفي تفسير أبي الليث بعد العصر.
قال في الكواشي : وإنما جاؤوا عشاء ليقدموا على المبالغة في الاعتذار.
يبكون حال، أي : متباكين.
والتباكي بالفارسية (كريستن يدا كردن) روى إن امرأة خاصمت زوجها إلى شريح فبكت فقال له الشعبي : يا أبا أمية أظنها مظلومة أما تراها تبكي فقال شريح قد جاء أخوة يوسف يبكون وهم ظلمة ولا ينبغي أن يقضي إلا بما أمر أن يقضي به من السنة المرضية.
وفي المثنوى :
زراى مضطر نشسته معنويست
زارى نزد دروغ آن غويست
كرهي اخوان يوسف حيلتست
كه درونشان رز رشك وعلتست
روى أنه لما سمع صوتهم فزع وقال ما لكم يا بني هل أصابكم في غنمكم شي قالوا الأمر أعظم قال فما هو وأين يوسف؟
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٢