[يوسف : ٩٧-٦٥]﴿قَالُوا يا اأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أو الرمي يقال استبق الرجلان وتسابقا إذا عارضا في السبق طلباً للغلبة كما يقال انتضلا وتناضلا إذا عارضا في الرمي طلباً للغلبة.
وتركنا يوسف (وبكذا شتيم يوسف راتنها) عند متاعنا أي : ما نتمع به من الثياب والأزواد وغيرهما فإن المتاع في اللغة كل ما انتفع به وأصله النفع الحاضر وهو اسم من متع كالسلام من سلم، والمراد به في قوله تعالى : ولما فتحوا متاعهم}(يوسف : ٦٥) أوعية الطعام ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ عقيب ذلك من غير مضي زمان يعتاد فيه التفقد والتعهد وما أنت بمؤمن لنا بمصدق لنا في مقالتنا ولو كنا عندك في اعتقادك صادقين موصوفين بالصدق والثقة لفرط محبتك ليوسف فكيف وأنت سيء الظن بنا غير واثق بقولنا.
والصدق هو الإخبار عن الشيء على ما هو به والكذب لا على ما هو به والتصديق باللسان الإخبار بكون القائل صادقاً وبالقلب الإذعان والقبول لذلك، والتكذيب بخلاف ذلك وجاؤوا (آمدند) على قميصه محله النصب على الظرفية من قوله : بدم أي : جاؤوا فوق قميصه بدم أو على الحالية منه والخلاف في تقدم الحال على المجرور فيما إذا لم يكن الحال ظرفاً كذب مصدر وصف به الدم مبالغة، كأن مجيئهم من الكذب نفسه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته أو مصدر بمعنى المفعول أي مكذوب فيه لأنه لم يكن دم يوسف وقرأت عائشة رضي الله عنها بغير المعجمة أي كدب بمعنى كدر أو طريّ روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وزل عنهم أن يمزقوه فلما سمع يعقوب بخبر يوسف صاح بأعلى صوته فقال : أين القميص؟ فأخذه والقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص قال : تالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه قال كأنه قيل ما قال يعقوب هل صدقهم فيما قالوا أو لا؟ فقيل : قال لم يكن ذلك بل سولت لكم أنفسكم أي : زينت وسهلت قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
والتسويل :
٢٢٦
تقدير شيء في الأنفس مع الطمع في إتمامه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٦
قال الأزهري : كان التسويل تفعيل من سؤال الأشياء وهي الأمنية التي يطلبها فيزين لطالبها الباطل وغيره.
أمراً من الأمور منكراً لا يوصف ولا يعرف فصنعتموه بيوسف استدل يعقوب على أنهم فعلوا بيوسف ما أرادوا وأنهم كاذبون بشيئين بما عرف من حسدهم الشديد وبسلامة القميص حيث لم يكن فيه خرق ولا أثر ناب فقوله بل سولت ردّ لقولهم أكله الذئب وبل للإعراض عما قبله وإثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاء زيد بل عمرو كما في بحر العلوم.
فصبر جميل أي : فأمري صبر جميل وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق وإلا فقد قال يعقوب إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.
قال الكمال الخجندي :
بوصل صحبت يوسف عزيز من مشتاب
جمال يار نبيني مكر بصبر جميل
قال شيخنا الأجل الأكمل روح الله روحه.
اعلم أن الصبر إذا لم يكن فيه شكوى إلى الخلق يكون جميلاً، وإذا كان فيه مع ذلك شكوى إلى الخالق يكون أجمل لما فيه من رعاية حق العبودية، ظاهراً حيث أمسك عن الشكوى إلى الخلق، وباطناً حيث قصر الشكوى على الخالق والتفويض جميل والشكوى إليه أجمل انتهى.
قال الشيخ عمر بن الفارض قدس سره في تائيته :
ويحسن إظهار التجلد للقوي
ويقبح غير العجز عند الأحبة
أي : لا يحسن إظهار التجلد والصبر على صدمات المحن مطلقاً بل يحسن للأعادي كما أظهر رسول الله للكفار في غزواته ومناسكه.
وأما عند الأحبة فلا يحسن إلا العجز لأن إظهار التجلد عندهم قبيح جداً كما أظهره سمنون في بعض مناجاته وقال :
وليس لي في سواك حظ
فكيفما شئت فاختبرني
فأدب بتسليط عسر البول عليه فاعترف بعجزه وطاف في سكك بغداد يتسأجر الصبيان ويأمرهم أن ادعوا عمكم الكذاب فقير وخسته بدركاهت إمدم رحمى وقال بعضهم : الصبر الجميل تلقي البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر.
وقيل : لا أعايشكم على كآبة الوجه بل أكون لكم كما كنت وذلك لأن الموحد الحقيقي يطوي بساط الوسائط والأسباب، فلا يرى التأثير إلا من الله تعالى في كل باب، مع أن التغافل من أخلاق الكرام والعفو والصفح وقبول العذر من ديدن الأخيار :
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً
إن بر عندك فيما قال أو فجرا
والله المستعان أي : المطلوب منه العون وهو إنشاء الاستعانة المستمرة.
على ما تصفون على إظهار حال ما تصفون من شأن يوسف وبيان كونه كذبا وإظهار سلامته كأنه علم منهم الكذب.
قال تعالى : سبحان ربك رب العزة عما يصفون}(الصافات : ١٨٠).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٦


الصفحة التالية
Icon