يقول الفقير أيده الله القدير : جعلوه عرضة للابتذال بالبيع والشراء ؛ لأنهم لم يعرفوا حاله إما لأن الله تعالى أغفلهم عن السؤال ليقضي أمراً كان مفعولاً، أو لأنهم سألوا عن حاله ولم يفهموا لغته لكونها عبرية.
وههنا روايات واهية بعيدة ينبغي أن لا يلتفت إليها وإن ذهب إليها الجم الغفير من المفسرين ولله در المولى أبي السعود في إرشاده بثمن بخس زيف ناقص العيار.
قال الكاشفي :(ببهاى اندك وبي اعتبار) وهو بمعنى المبخوس لأن الثمن لا يوصف بالمعنى المصدري ووصف بكونه مبخوساً إما لرداءته وغشه أو لنقصان وزنه من بخسه حقه، أي : نقصه كما في حواشي ابن الشيخ.
وقال بعضهم : بثمن بخس، أي حرام منقوص لأن ثمن الحر حرام انتهى حمل البخس على المعنى لكون الحرام ممحوق البركات والقول الأول هو الأصح دراهم بدل من ثمن، أي لا دنانير معدودة أي : غير موزونة فهو بيان لقلته ونقصانه مقداراً بعد بيان نقصانه في نفسه لأنهم كانوا يزنون الأوقية وهي أربعون درهماً ويعدون ما دونها.
فعن ابن عباس أنها كانت عشرين درهماً.
وعن السدي اثنين وعشرين درهماً.
قيل : إن الصبيان أخذوا النبي عليه السلام في طريق المسجد وقالوا : كن لنا جملاً كما تكون للحسن والحسين، قال لبلال اذهب إلى البيت وائت بما وجدته لأشتري نفسي منهم فأتى بثماني جوزات فاشترى بها نفسه وقال : أخي يوسف باعوه بثمن بخس دراهم معدودة وباعوني بثماني جوزات كذا في روضة الأخبار وكانوا أي : البائعون فيه في يوسف من الزاهدين الزهد والزهادة قلة الرغبة في الشيء أي من الذين لا يرغبون فيما بأيديهم فلذلك باعوه بما ذكر من الثمن البخس وسبب ذلك أنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به أو غير واثق بأمره يخاف أن يظهر له مستحق فينتزعه منه فيبيعه من أول مساوم بأوكس ثمن هذا مع الجمال الظاهر.
وفيه إشارة إلى أن الجمال الظاهر لا خطر له عند الله تعالى، وإنما الجمال هو الجمال الباطن، وفي الحديث : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم بل إلى قلوبكم وأعمالكم يعني إذا كانت لكم قلوب وأعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقاً، سواء كانت لكم صور حسنة وأموال فاخرة أم لا وإلا فلا، وليس بيع يوسف بثمن بخس باعجب من بيعك نفسك بأدنى شهوة فلا بد من الإمساك والاحتماء والقناعة.
قال المولى الجامي قدس سره :
٢٢٩
هر آنكه كنج قناعت بكنج دنيا داد
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٨
فروخت يوسف مصري بكمترين ثمني
(كويندكه نافع مولاي عبد الله بن عمركه استاد امام شافعي بود آنكاه كه مرد كفت اين ايكه را بكنيد بكنيند بيست وده هزار درم درسبوى بديد آمد كفت آنكاه كه از جنازه من باز امده باشيد اين بدرويش دهيد اورا كفتند يا شيخ ون توكسى درم نهد كفت بحق اين وقت شك زكاة وى بر كردن من نيست وهر كز عيالان خودرا بسختى نداشتم لكن هركاه كه مرا آرزويى بودي آنه بدان آرزو بايستى دادن درين سؤال افكندمى تا كر مرا روز سختى يش آيد بدر سفله نبايد رفتن) ففي هذه الحكاية ما يدل على المجاهدة النفسية والطبعية.
أما الأولى، فلأنه ما كتم المال وداخره لأجل الكنز بل لأجل البذل، وأما الثانية فلأنه منع عن طبيعته مقتضاها وشهواتها والحواس والقوى لا تعرف قدر القلب وتبيعه بأدنى حظ نفس فانٍ، لأنها مستعدة للاحتظاظ بالتمتعات الدنيوية الفانية والقلب مستعد للاحتظاظ بالتمتعات الأخروية الباقية، بل هو مستعد للاحتظاظ بالشواهد الربانية وإنه إذا سقي بشراب طهور تجلى الجمال والجلال يهريق سؤره على أرض النفس والقوى والحواس فيحتظون به فإنه للأرض من كأس الكرام نصيب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٨
﴿وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاـاهُ مِن مِّصْرَ﴾ وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر وصاحب جنود الملك واسمه قطفير وكان يقال له العزيز.
قال في القاموس : العزيز الملك لغلبته على أهل مملكته ولقب من ملك مصر مع الاسكندرية انتهى.
وبيان كونه من مصر للإشعار بكونه غير من اشتراه من الملتقطين مما ذكر من الثمن البخس كما في الإرشاد.
وقال الكاشفي :(وكفت آنكس كه خريد يوسف را ازاهل مصر) يعني عزيز انتهى.
وكان الملك يومئذٍ الريان بن الوليد من العماليق مات في حياة يوسف بعد أن آمن به وملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه إلى الإسلام فأبى.
قال في القاموس : قابوس ممنوع للعجمة والمعرفة معرب كاووس انتهى وهذا غير قابوس الذي قيل في خطه هذا خط قابوس أم جناح طاووس، فإنه كان ملكاً عظيماً مات في ثلاث وأربعمائة كما في الروضة.
وكان فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف فقوله تعالى : ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات}(غافر : ٣٤) من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء.
قال الكاشفي :(ون خبر كاروان مدين بمصر آمد وكماشتكان عزيز بسرراه كاروان آمده يوسف را ديدند ازلمعه جمال او شيفته وحيران بازكشته خبر بعزيز مصر بردند واو عاشق يوسف بود ازكوش) :
والأذن تعشق قبل العين أحياناً