فالتمسوا من مالكه عرض يوسف للبيع فزينه وأخرجه إلى السوق فلما رآه أهل مصر افتتنوا به :
اراسته آن يا رنبا زار بر آمد
فرياد وفغان ازدر وديوار بر آمد
وعرض في بيع من يزيد ثلاثة أيام فزاد الناس بعضهم على بعض حتى بلغ ثمنه شيئاً لا يقدر عليه أحد.
خريداران ديكر لب به بستند
س زانوى خاموشى نشتند
فاشتراه عزيز مصر بوزنه مرة مسكاً ومرة لؤلؤاً ومرة ذهباً ومرة فضة ومرة حريراً وكان وزنه أربعمائة رطل ـ ـ وحكى ـ ـ أن عجوزاً أحضرت شيئاً من الغزل وأرادت أن تشتري به يوسف وإلى هذا يشير المولى الجامي بقوله :
٢٣٠
بي سر عرفان متن تار فكرت
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
خريدار يوسف مشوزين كلابه
وفيه إشارة إلى أنه ينبغي لكل أحد بذل ما في ملكه مما قدر عليه في طريق المطلوب فإنه من علامات العاشق.
هر كسى ازهمت والاى خويش
سود برد در خور كالاى خويش
وكان سن يوسف إذ ذاك سبع عشرة سنة، وأقام في منزل العزيز مع ما مر عليه من مدة لبثه في السجن ثلاث عشرة سنة، واستوزره الريان وهو ابن ثلاثين، وآتاه الله العلم والحكمة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة وهو أول من عمل القراطيس ﴿لامْرَأَتِهِ﴾ اللام متعلقة بقال لا باشترى، أي قال لامرأته راعيل بنت رعاييل، أو بنت هيكا هروان كما في التبيان ولقبها زليخا بضم الزاي المعجمة وفتح اللام كما في عين المعاني والمشهور في الألسنة فتح الزاي وكسر اللام أكرمي مثويه اجعلي محل إقامته كريماً حسناً مرضياً والمعنى أحسني تعهده في المطعم والمشرب وغيرهما، فهو كناية عن إكرام نفسه وإحسان تعهده كما يقال المقام العالي ويكنى به عن السلطان.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : يكنى عن الشريف بالجناب والحضرة والمجلس فيقال السلام على حضرته المباركة ومجلسه الشريف، والمراد به السلام عليه لكن يكنى عنه بما يتعلق به نوع التعلق إجلالاً انتهى.
عسى أن ينفعنا فيما نحتاج إليه ويكفينا بعض المهمات.
وبالفارسية (شايد آنكه سود رساند مارا دركار ضياع وعقار وسر انجام مصالح روز كارما) أو نتخذه ولدا أي نتبناه ونقيمه مقام الولد، وإنه لم يكن لها ولد وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك ولذلك قيل افرس الناس ثلاثة : عزيز مصر وابنة شعيب التي قالت : يا أبت استأجره}(القصص : ٢٦) وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله عنه أن تفرس في عمر وولاه من بعده ﴿وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأرْضِ﴾ أي : جعلنا له فيها مكاناً والمراد أرض مصر وهي أربعون فرسخاً، في أربعين فرسخاً وذلك إشارة إلى مصدر الفعل المؤخر على أن يكون عبارة عن التمكين في قلب العزيز أو في منزله وكون ذلك تمكيناً في الأرض بملابسة أنه عزيز فيها، لا عن تمكين آخر يشبه به فالكاف مقحم للدلالة على فخامة شأن المشار إليه إقحاماً لا يترك في لغة العرب ولا في غيرها، ومن ذلك قولهم مثلك لا يبخل، أي مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف في الأرض وجعلناه محباً في قلب العزيز ومكرماً في منزله ليترتب عليه ما ترتب بما جرى بينه وبين امرأة العزيز.
ولنعلمه من تأويل الأحاديث أي : نوفقه لتعبير بعض المنامات التي عمدتها رؤيا الملك وصاحبي السجن لقوله تعالى : ذلكما مما علمني ربي}(يوسف : ٣٧) فيؤدي ذلك إلى الرياسة العظمى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
وفي "تفسير أبي الليث" : من تأويل الأحاديث، يعني : تعبير الرؤيا وغير ذلك من العلوم ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ الهاء راجعة إلى الله أي على أمر نفسه لا يرده شيء ولا ينازعه أحد فيما شاء ويحكم في أمر يوسف وغيره بل إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كذلك فيأتون ويذرون زعماً منهم أن لهم من الأمر شيئاً وأنى لهم ذلك.
بود هركسى را دكر كونه راى
نباشد مكر آنه خواهد خداي
٢٣١
وجاء في بعض الآثار أن الله تعالى يقول : ابن آدم تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد فإن سلمت لي فيما أريد أعطيتك ما تريد وإن نازعتني فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد فالأدب مع الله تعالى أن يستسلم العبد لما أظهره الله تعالى في الوقت ولا يريد إحداث غيره.


الصفحة التالية
Icon