فلما دخل عليها في القسم الأول من البيت أغفلته وأغلقته وراودته عن نفسه بكل حيلة، ثم أدخلته في الذي يليه فأغلقته وراودته بكل ما يمكن فلم يساعدها يوسف فدفعها بما قدر عليه ثم وثم إلى أن انتهى إلى البيت السابع فأغلقته وذلك قوله تعالى : وغلقت الأبواب عليها وعليه وكانت سبعة أبواب ولذلك جاء الفعل بصيغة التفعيل الدالة على التكثير وقالت هيت لك اسم فعل معناه أقبل وبادر.
وبالفارسية (بشتاب يش من آي كه من ترا ام) واللام للبيان متعلقة بمحذوف أي لك أقول هذا روى عن ابن عباس أنه قال : كان يوسف إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه، وإذا تكلم رأيت شعاع النور في كلامه يذهب من بين يديه، ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته.
فقالت له : يا يوسف إنما صنعت هذا البيت المزين من أجلك فقال يوسف : يا زليخا إنما دعيتني للحرام وحسبي ما فعل بي أولاد يعقوب البسوني قميص الذل والحزن يا زليخا إني أخشى أن يكون هذا البيت الذي سميته بيت السرور بيت الأحزان والثبور، وبقعة من بقاع جهنم.
فقالت زليخا : يا يوسف ما أحسن عينيك قال هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي.
قالت : ما أحسن وجهك قال هو للتراب يأكله، قالت : ما أحسن شعرك قال : هو أول ما ينتشر من جسدي، قالت : إن فراش الحرير مبسوط فقم فاقض حاجتي، قال : إذاً يذهب نصيبي من الجنة، قالت : إن طرفي سكران من محبتك فارفع طرفك إلى حسني وجمالي، قال : صاحبك أحق بحسنك وجمالك مني قالت هبت لك قال معاذ الله هو من جملة المصادر التي ينصبها العرب بأفعال مضمرة ولا يستعمل إظهارها، كقولهم : سبحان الله وغفرانك وعونك أي أعوذ بالله معاذاً مما تدعونني إليه من العصيان والخيانة ثم علل الامتناع بقوله : إنه أي : الشأن الخطير هذا وهو ربي أي : سيد العزيز الذي اشتراني أحسن مثواي أي أحسن
٢٣٦
تعهدي ورعايتي حيث أمرك بإكرامي فما جزاؤه أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه.
وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بألطف وجه.
إنه لا يفلح الظالمون أي : لا يدخل في دائرة الفلاح والظفر كل ظالم كائناً من كان، فيدخل في ذلك المجازون للإحسان بالإساءة والعصيان لأمر الله تعالى (واز زبان حال يوسف كه بازليخا خطاب مي كرد كفته اند) :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
زهى خجلت كه در روزقيامت
كه افتد برزنا كاران غرامت
جزاى آن جفا كيشان نويسند
مرا سر دفتر ايشان نويسند
وفي الآية دليل على أن معرفة الإحسان واجب، لأن يوسف امتنع لأجل شيئين لأجل المعصية والظلم ولأجل إحسان الزوج إليه.
قال الجامي :
كه ون نوبت بهفتم خانه افتاد
زليخا از جان بر خاست فرياد
مراتاكى درين محنت سندى
كه شم رحمت ازرويم ببندى
بكفتا مانع من أين دو يزست
عتاب ايزد وقهر عزيز ست
زلخا كفت زان دشمن مينديش
كه ون روز طرب بنشسته ام يش
دهم جامى كه با جانش ستيزد
زمستى تا قيامت بر نخيزد
توميكويى خداي من كريمست
هميشه بر كنهكاران رحيمست
مرا از كوهر وزر صد خزينه
درين خلوت سرا باشد دفينه
فدا سازم همه بهر كناهت
كه تاباشد زايزد عذر خواهت
بكفت آنكس نيم كافتد سندم
كه آيد بر كس ديكر كزندم
خداي من كه نتوان حقز اريش
برشوت كي توان آمرز كاريش
زليخا در تقاضا كرم يوسف
همي انكيخت اسباب توقف
دلش ميخواست درسفتن بالماس
ولي ميداشت حكم عصمتش اس
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
كما قال تعالى :﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ﴾ به الهم عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل من خير أو شر وهو القصد والمراد همت بمخالطته ومجامعته إذا لهم لا يتعلق بالأعيان، أي قصدتها وعزمت عليها عزماً جازماً بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت من المراودة وتغليق الأبواب ودعوته إلى نفسها بقولها : هيت لك، ولعلها تصدت هنالك لأفعال أخر من بسط يدها إليه، وقصد المعانقة وغير ذلك مما يضطره إلى الهرب نحو الباب والتأكيد لدفع ما عسى يتوهم من اختصاص إقلاعها عما كانت عليه بما في مقالته من الزواجر.
وهمّ بها بمخالطتها، أي : مال إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، وشهوة الشباب ميلاً جبلياً لا يكاد يدخل تحت التكليف، لا قصدا اختيارياً، لأنه كما أنه برىء من ارتكاب نفس الفاحشة والعمل الباطل، كذلك برىء من الهمّ المحرم، وإنما عبر عنه بالهمّ لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر بطريق المشاكلة، لا لشبهة به ولقد أشير إلى تباينهما بأنه لم يقل : ولقد هما بالمخاطلة أو هم كل منهما بالآخر.
قال حضرة الشيخ افتاده قدس سره : وهمّ بها أي هجم للطبيعة البشرية فقمع مقتضاها ولم يعط حكمها فإن عدم تقاضيها نقصان، بل الكمال أن لا يعطي لها حكمها مع غاية التوقان فيترقى به الإنسان وينال المراتب العالية
٢٣٧
عند الرحمن، ألا ترى أن العنين لا يمدح على ترك الجماع.
وفي المثنوى :
هين مكن خودار خصى رهبان مشو
زانكه عفت هست شهوترا كرو
بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود
هم غزابا مرد كان نتوان نمود


الصفحة التالية
Icon