قال الشافعي : أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصي، وتقوى جندي، وأمانة امرأة، وعبادة صبي وهو محمول على الغالب كما في المقاصد الحسنة وروى في الخبر إنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ وهم بخطيئة غير يحيى بن زكريا، ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش.
فمن نسب إلى الأنبياء الفواحش كالعزم على الزنى ونحوه الذي يقوله الحشوية في يوسف كفر، لأنه شتم لهم كذا في القنية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٧
قال بعض أرباب الأحوال كنت بمجلس بعض القصاص فقال ما سلم أحد من هوى ولا فلان وسمى من لا يليق ذكره في هذا المقام العظيم الشأن فقلت : اتق الله فقال : ألم يقل : حبب إليّ فقلت : ويحك قال حبب ولم يقل أحببت، قال ثم خرجت بالهمّ فرأيت النبي عليه السلام فقال : لا تهتم فقد قتلناه قال فخرج ذلك القاص إلى بعض القرى فقتله بعض قطاع الطريق لولا أن رأى برهان ربه أي : حجته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنى، والمراد برؤيته لها كمال إيقانه ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين التي تتجلى هناك حقائق الأشياء بصورها الحقيقية، وتتخلع عن صورها المستعارة التي بها تظهر في هذه النشأة على ما نطق به قوله عليه السلام : حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وكأنه قد شاهد الزنى بموجب ذلك البرهان النير على ما هو عليه في حد ذاته أقبح ما يكون، وجواب لولا محذوف يدل عليه الكلام، أي : لولا مشاهدته برهان ربه في شأن الزنى لجرى على موجب ميله الجبلي لعدم المانع الظاهر، ولكنه حيث كان شاهداً له من قبل استمر على ما هو عليه من قضية البرهان وفائدة هذه الشرطية بيان أن امتناعه لم يكن لعدم مساعدة من جهة الطبيعة بل بمحض العفة والنزاهة مع وفور الدواعي الداخلية وترتب المقدمات الخارجية الموجبة لظهور الأحكام الطبيعية هذا.
وقد نص أئمة الصناعة على أن لو في أمثال هذه المواقع جار من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقييد للحكم المطلق، كما في مثل قوله تعالى : إن كاد ليضلنا عن ألهتنا لولا صبرنا عليها} (الفرقان : ٤٢) فلا يتحقق هناك همّ أصلاً، وقالوا : البرهان ما رأى في جانب البيت مكتوباً ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَىا﴾ أو قال له ملك : تهمّ بفعل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء، أو انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على يديه، وبه كان يخوف صغيراً، أو رأى شخصاً يقول له : يا يوسف انظر إلى يمينك فنظر فرأى ثعباناً أعظم ما يكون، فقال هذا يكون في بطن الزاني غداً كذلك الكاف منصوب المحل وذلك إشارة إلى الإراءة المدلول عليها بقوله تعالى : لولا أن رأى برهان ربه أي : مثل ذلك التبصير والتعريف عرفناه برهاننا فيما قبل لنصرف عنه السوء خيانة السيد والفحشاء والزنى لأنه مفرط في القبح.
وفيه آية بينة وحجة قاطعة على أنه لم يقع منه هم بالمعصية ولا توجه إليها قط وإلا لقيل لنصرفه عن السوء والفحشاء، وإنما توجه إليه ذلك من خارج فصرفه تعالى عنه بما فيه من موجبات العفة والعصمة كما في الإرشاد إنه من عبادنا المخلصين الذين أخلصهم الله لطاعة بأن عصمهم مما هو قادح فيها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٧
وفيه دليل على أن الشيطان لم يجد إلى إغوائه سبيلاً ألا يرى إلى قوله : فبعزتك
٢٣٨
لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}(ص : ٨٢ ـ ـ ٨٣).
قال في "بحر لعلوم" واعلم أنه تعالى شهد ببراءته من الذنب ومدحه بأنه من المحسنين وأنه من عباده من المخلصين فوجب على كل أحد إن لا يتوقف في نزاهته وطهارة ذيله وعفته وتثبته في مواقع العثار.
قال الحسن : لم يقص الله عليكم ما حكى من أخبار الأنبياء تعييراً لهم، لكن لئلا تقنطوا من رحمته، لأن الحجة للأنبياء ألذم فإذا قبلت توبتهم كان قبولها من غيرهم أسرع، وعدم ذكر توبة يوسف دليل على عدم معصيته ؛ لأنه تعالى ما ذكر معصية عن الأنبياء وإن صغرت إلا وذكر توبتهم واستغفارهم منها كآدم ونوح وداود وإبراهيم وسليمان عليهم السلام.