كنت فاراً منها لقوله : ففروا إلى الله}(الذاريات : ٥٠) ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ﴾ أي : حكم بينهما حاكم وهو العقل الغريزي دون العقل المجرد فإن الغريزي دنيوي والمجرد أخروي.
فالمعنى أن حاكم العقل الغريزي الذي هو من أهل زليخا حكم إن كان قميصه قد من قبل أي إن كان قميص بشرية يوسف القلب قد من قبل يدل على أن التابع كان يوسف القلب على قدمي الهوى والحرص فعدل عن الصراط المستقيم العصمة وقد قميص بشريته من قُبُل.
فصدقت زليخا الدنيا إنها متبوعة.
وهو من الكاذبين في دعواه إنها راودتني عن نفسي واتبعتني وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت زليخا الدنيا إنها متبوعة.
وهو من الصادقين يعني يوسف القلب صادق في أن زليخا الدنيا راودته عن نفسه واتبعته وإنه متبوع فلما رأى قميصه قد من دبر ميز حاكم العقل أن يد تصرف زليخا الدنيا لا تصل إلى يوسف القلب إلا بواسطة قميص بشريته قال إنه أي التعليق بقميص بشريته يوسف القلب من كيدكن أي : من كيد الدنيا وشهواتها إن كيدكن عظيم لأنكن تكدن في أمر عظيم وهو قطع طريق الوصول إلى الله العظيم على القلب السليم.
يوسف أعرض عن هذا أي يا يوسف القلب اعرض عن زليخا الدنيا فإن كثرة الذكر تورث المحبة وحب الدنيا رأس كل خطيئة.
واستغفري لذنبك يا زليخا الدنيا.
إنك كنت بزينتك وشهواتك قاطعة طريق الله تعالى على يوسف القلب وأنت في ذلك.
من الخاطئين الذين ضلوا عن الطريق وأضلوا كثيراً، كذا في التأويلات النجمية نفعنا الله بحقائقها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٢
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾ أي جماعة من النساء وكن خمساً امرأة الخباز، وامرأة الساقي وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب.
والنسوة : اسم مفرد لجميع المرأة وتأنيثه غير حقيقي، ولذا لم يلحق فعله تاء التأنيث.
وقال الرضى : النسوة جمع لأنها على وزن فعلة فيقدر لها مفرد وهو نساء كغلام وغلمة لا أنها اسم جمع (آورده اندكه اكره عزيز اين قصه را تسكين داد أما سخن عشق نهان كي ميماند شمه ازين واقعه در السنه عوام افتاد)
زليخارا و بشكفت آن كل راز
جهاني شد بطغش بلبل آواز
(وبعض از خواتين مصر زبان ملامت برزليخا درازكردند وهر آيينه عشق را غوغاي ملامت دركارست نه سوداي سلامت) قال الحافظ :
من أزان حسن روزافزون كه يوسف داشت دانستم.
كه عشق از رده عصمت برون آرد زليخارا وقال الجامي :
نسازد عشق راكنج سلامت
خوشا رسوايي وكويى ملامت
غم عشق ازملامت تازه كردد
وزين غوغا بلند آوازاه كردد
في المدينة ظرف لقال، أي أشعن الأمر في مصر أو صفة للنسوة.
وقال الكاشفي :(با يكديكر نشسته كفتند در شهر مصر بموضعي كه عين الشمس مضمون سخن ايشان آنكه).
امرأة العزيز والعزيز بلسان العرب الملك، والمراد به قطفير وزير الريان وبامرأته زليخا ولم يصرحن باسمها، على ما عليه عادة الناس عند ذكر السلطان والوزير ونحوهما وذكر من يتبعهم من خواص حرمهم.
وقال سعدي المفتي : صرحن بإضافتها إلى العزيز مبالغة للتشنيع لأن النفوس أقبل إلى سماع أخبار ذوي الأخطار وما يجري لهم.
تراود فتيها
٢٤٤
أي : تطالب غلامها بمواقعته لها وتحتال في ذلك وتخادعه عن نفسه والفتى من الناس الشاب، ويستعار للمملوك وإن كان شيخاً كالغلام وهو المراد هنا وفي الحديث : لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي قال ابن الملك : إنما كره النبي عليه السلام أن يقول السيد عبدي لأن فيه تعظيماً لنفسه، ولأن العبد في الحقيقة إنما هوقيل إنما يكره إذا قاله على طريق التطاول على الرقيق والتحقير لشأنه وإلا فقد جاء القرآن به قال الله تعالى : والصالحين من عبادكم وأمائكم} (النون : ٣٢) ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ (بدرستى كه شكافته است غلاف دل اوازجهت دوستى يعني محبت يوسف بدرون دل او در آمده) وهو بيان لاختلال أحوالها القلبية كأحوالها القالبية خبر ثان وحباً تمييز منقول من الفاعلية، أي شق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى فؤادها.
والشغاف حجاب القلب وقرىء شعفها بالعين المهملة يقال شعفه الحب أحرق قلبه كما في الصحاح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٤
اعلم أن المحبة هو الميل إلى أمر جميل، وهو إذا كان مفرطاً يسمى عشقاً، وهو إذا كان مفرطاً يسمى سكراً أو هيماناً، وصاحب العشق المفرط معذور غير ملوم، لأنه آفة سماوية كالجنون والمرض مثلاً، والمحبة أصل الإيجاد وسببه كما قال تعالى : كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أعرف.
قال القاشاني : العشق أخص لأنه محبة مفرطة، ولذلك لا يطلق على الله لانتفاء الأفراط عن صفاته انتهى.
قال الجنيد : قالت النار يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء هو أشد مني؟ قال : نعم كن أسلط عليك ناري الكبرى قالت وهل نار أعظم مني قال نعم نار محتبي اسكنها قلوب أوليائي المؤمنين كذا في فتح القريب.


الصفحة التالية
Icon