جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٩
﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ عرف شرف نسبه وأنه من أهل بيت النبوة لتتقوى رغبتهما في الاستماع منه والوثوق عليه، وكان فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب أمراً مشهوراً في الدنيا فإذا ظهر أنه ولدهم عظموه ونظروا إليه بعين الإجلال وأخذوا منه، ولذلك جوز للعالم إذا جهلت منزلة في العلم أن يصف نفسه ويعلم الناس بفضله حتى يعرف فيقتبس منه وينتفع به في الدين، وفي الحديث : إن الله يسأل الرجل عن فضل علمه كما يسأله عن فضل ماله وقدم ذكر ترك ملة الكفرة على ذكر اتباعه لملة آبائه لأن التخلية بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة، وفيه إشارة إلى أن الاتباع سبب للفوز بالكمالات والظفر بجميع المرادات والإشارة أن ملة إبراهيم السر وإسحاق الخفاء ويعقوب الروح التوحيد والمعرفة، ما كان أي : ما صح وما استقام فضلاً عن الوقوع لنا معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا ووفور علومنا.
أن نشرك بالله من شيء أي شيء كان من ملك أو جنى أو أنسي فضلاً عن الجماد الذي لا يضر ولا ينفع ذلك التوحيد المدلول عليه بقوله ما كان لنا إلخ ناشىء من فضل الله علينا بالوحي يعني (بوحي مارا آكاهى داده) وعلى الناس كافة بواسطتنا وأرسالنا لإرشادهم إذ وجود القائد للأعمى رحمة من الله أية رحمة ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون هذا فيعرضون عنه ولا ينتهون ولما كان الأنبياء وكمل الأولياء وسائط بين الله وخلقه لزم شكرهم تأكيداً للعبودية وقياماً
٢٦٠
بحق الحكمة.
يا صاحبي السجن الإضافة بمعنى في، أي يا صاحبي في السجن لما ذكر ما هو عليه من الدين القويم تلطف في حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الأصنام فناداهما باسم الصحبة في المكان الشاق الذي يخلص فيه المودة ويتمحض فهي النصيحة.
ءارباب متفرقون الاستفهام إنكاري (آيا خدايان راكنده كه شما داريد اززر ونقره وآهن ووب وسنك) او من صغير وكبير ووسط كما في التبيان.
خير لكما أم الله المعبود بالحق الواحد المنفرد بالألوهية القهار الغالب الذي لا يغالبه أحد، وفيه إشارة إلى أن الله يقهر بوحدته الكثرة وأن الدنيا والهوى والشيطان وإن كان لها خيرية بحسب زعم أهلها لكنها شر محض عند الله تعالى لكونها مضلة عن طريق طلب أعلى المطالب وأشرف المقاصد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٠
ما تعبدون الخطاب لهما ولمن على دينهما.
من دونه أي من دون الله شيئاً.
إلا أسماء مجردة لا مطابق لها في الخارج لأن ما ليس فيه مصداق إطلاق الاسم عليه لا وجود له أصلاً فكانت عبادتهم لتلك الأسماء فقط.
سميتموها جعلتموها أسماء أنتم وآباؤكم بمحض جهلكم وضلالتكم.
ما أنزل الله بها أي بتلك التسمية المستتبعة للعبادة.
من سلطان من حجة تدل على صحتها إن الحكم في أمر العبادة المتفرعة على تلك التسمية إلالأنه المستحق لها بالذات ؛ إذ هو الواجب بالذات الموجد للكل، والمالك لأمره، فكأنه قيل فماذا حكم الله في هذا الشأن فقيل : أمر على ألسنة الأنبياء أن لا تعبدوا أي بأن لا تعبدوا إلا إياه الذي دلت عليه الحجج ذلك تخصيصه تعالى بالعبادة الدين القيم أي الثابت أو المستقيم وهو دين الإسلام الذي لا عوج فيه وأنتم لا تميزون الثابت من غيره، ولا المعوج من القويم قال تعالى : إن الدين عند الله الإسلام}(آل عمران : ١٩) وهو باعتبار الأصول واحد وباعتبار الفروع مختلف ولا يقدح الكثرة العارضة بحسب الشرائع المبنية على استعدادات الأمم في وحدته.
﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ فيخبطون في جهالتهم.
واعلم أن ما سوى الله تعالى ظل زائل، والعاقل لا يتبع الظل بل يتبع من خلق الظل، وهو الله تعالى واتباعه به هو تدينه بما أمر به، ومن جملته قصر العبادة له بالاجتناب عن الشرك الجلي والخفي وهو الإخلاص التام الموصل إلى الله الملك العلام.
قال بعض الفضلاء : الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع إلا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه إيماناً وطاعة وأما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيد انتهى وحكى أن أمرة قالت لجماعة ما السخاء عندكم؟ قالوا : بذل المال قالت هو سخاء أهل الدنيا والعوام، فما سخاء الخواص ؛ قالوا : بذل المجهود في الطاعة، قالت : ترجون الثواب قالوا : نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}(الأنعام : ١٦٠) فأين السخاء؟ قالوا : فما عندك قالت : العملتعالى لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب، وذلك لا يمكن إلا بالتجريد والتفريد والوصول إلى حقيقة الوجود، وبمثل هذا العمل يصل المرء إلى الله تعالى ويجد الله أطوع له فيما أراد، ولا تزال العوالم في قبضته بإذن الله تعالى فيحكم بحكم الله تعالى ويعلم بعلم الله تعالى فيخبر عن المغيبات كما وقع ليوسف عليه السلام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٠
قال أبو بكر الكتاني قال
٢٦١