والإشارة : وقال يوسف القلب المسجون في حبس الصفات البشرية للنفس اذكرني عند الروح، يشير إلى أن القلب المسجون في بدء أمره يلهم النفس بأن يذكره بالمعاملات المستحسنة الشرعية عند الروح ليتقوى بها الروح، وينتبه من نوم الغفلة الناشئة من الحواس الخمس، ويسعى في استخلاص القلب من أسر الصفات البشرية بالمعاملات الروحانية مستمداً من الألطاف الربانية، والشيطان بوساوسه يمحو عن النفس أثر الهامات القلب لينسى النفس ذكر الروح بتلك المعاملات.
وفيه معنى آخر : وهو أن الشيطان أنسى القلب ذكر ربه، يعني : ذكر الله حتى استغاث بالنفس ليذكره عند الروح ولو استغاث بالله لخلصه في الحال.
فلبث في السجن بضع سنين يشير إلى الصفات البشرية السبع التي بها القلب محبوس، وهي الحرص والبخل والشهوة والحسد والعداوة والغضب والكبر، كما في التأويلات النجمية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٢
وقال الملك أي ملك مصر وهو الريان بن الوليد إني أرى في المنام سبع بقرات جمع بقرة بالفارسية (كاو) سمان جمع سمينة نعت لبقرات يأكلهن سبع عجاف (هفت كاو لاغر) أي سبع بقرات عجاف جمع عجفاء والقياس عجف، لأن أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال لكنه حمل على نقيضه وهو سمان والعجف الهزال والأعجف المهزول روى أنه لما قرب خروج يوسف من السجن جعل الله لذلك سبباً لا يخطر بالبال :
بسا قفلاكه نايدا كليدست
برو راه كشايش نا بديدست
ز ناكه دست صنعي درميان نى
بفتحش هي صانع را كمان نى
بديد آيد زغيب آنر اكشادى
وديعت در كشادش هر مرادي
و يوسف دل زحيلتهاى خود كند
بريد از رشته تدبير يوند
بجز ايزد نماند اورا ناهى
كه باشد در نوائب تكيه كاهى
ز ندار خودي وبخردي رست
كرفتش فيض فضلي ايزدى دست
وذلك أن الملك أكبر كان يتخذ في كل سنة عيداً على شاطىء النيل ويحشر الناس إليه فيطعمهم أطيب الطعام، ويسقيهم ألذ الشراب، وهو جالس على سريره ينظر إليهم فرأى ليلة الجمعة في منامه سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس أو من البحر، كما في الكواشي وخرج عقيبهن سبع بقرات مهازيل في غاية الهزال فابتلعت العجاف السمان فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيء وسبع أي : وأرى سبع سنبلات جمع سنبلة خضر جمع خضراء نعت لسنبلات والمعنى بالفارسية (هفت خوشه سبزو تازه كه دانهاى ايشان منعقد شده بود) وأخر أي سبعاً أخر يابسات قد أدركت الحصاد والتوت على الخضر حتى غلبن عليها، وإنما استغنى عن بيان حالها بما قص من حال البقرات فلما استيقظ من منامه اضطرب بسبب أنه شاهد
٢٦٥
أن الناقص الضعيف استولى على الكامل، القوي فشهدت فطرته بأن هذه الرؤيا صورة شر عظيم يقع في المملكة إلا أنه ما عرف كيفية الحال فيه فاشتاق ورغب في تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه فجمع أعيان مملكته من العلماء والحكماء فقال لهم : يا أيها الملأ فهو خطاب للأشراف من العلماء والحكماء أو للسحرة والكهنة والمنجمين وغيرهم.
كما قال الكاشفي :(اي كروه كاهنان ومعبران وأشراف قوم) أفتوني في رؤياي هذه، أي عبروها وبينوا حكمها وما يؤول إليه من العاقبة، وبالفارسية (فتوى دهيد يعني جواب كوييد مرا) إن كنتم للرؤيا تعبرون أي : تعلمون عبارة جنس الرؤيا علماً مستمرا وهي الانتقال من الصور الخيالية المشاهدة في المنام إلى ما هي صور أمثلة لها من الأمور الآفاقية والأنفسية الواقعة في الخارج فالتعبير والعبارة الجواز من صورة ما رأى إلى أمر آخر من العبور وهي المجاوزة وعبرت الرؤيا أثبت من عبرتها تعبيراً واللام للبيان، كأنه لما قيل كنتم تعبرون قيل لأي شيء فقيل للرؤيا وهذه اللام لم تذكر في بحث اللامات في كتب النحو.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٥