واجتهاد، والفرق بين الحرث والزرع أن الحرث القاء البذر وتهيئة الأرض، والزرع مراعاته وإنباته ولهذا قال : أفرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه أم نحن الزارعون}(الوافعة : ٦٤) فأثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزرع فالزرع أعم لأنه يقال زرع أي طرح البذر وزرع الله، أي أنبت كما في "القاموس" أخبرهم أنهم يواظبون سبع سنين على الزراعة ويبالغون فيها إذ بذلك يتحقق الخصب الذي هو مصداق البقرات السمان وتأويلها ودلهم في تضاعيف ذلك على أمر نافع لهم فقال ﴿فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنابُلِهِ﴾ (س آنه بدرويد ازغلات در هر سال) أي : اتركوه فيه ولا تذروه كيلاً يأكله السوس كما هو شأن غلال مصر ونواحيها ولعله استدل على ذلك بالسنبلات الخضر وإنما أمرهم بذلك إذ لم يكن معتاداً فيما بينهم وحيث كانوا معتادين للزراعة لم يأمرهم بها وجعلها أمراً محقق الوقوع وتأويلاً للرؤيا ومصداقاً لما فيها من البقرات السمان.
إلا قليلاً (مكراندكى بقدر حاجت) مما تأكلون في تلك السنين فأنتم تدرسون وقت حاجتكم إليه.
وفيه إرشاد منه عليه السلام لهم إلى التقليل في الأكل والاقتصار على استثناء المأكول دون البذر، لكون ذلك معلوماً من قوله قال تزرعون سبع سنين وبعد إتمام ما أمرهم به شرع في بيان بقية التأويل التي يظهر منها حكمة الأمر المذكور فقال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨
ثم يأتي من بعد ذلك أي من بعد السنين المذكورات وهو عطف على تزرعون سبع شداد جمع شديدة، أي : سبع سنين صعاب على الناس لأن الجوع أشد من الأسر والقتل يأكلن ما قدمتم لهن أي يأكل أهلهن ما ادخرتم من الحبوب المتروكة في سنابلها، وفيه تنبيه على أن أمره بذلك كان لوقت الضرورة وإسناد الأكل إليهم مع أنه حال الناس فيهن مجاز كما في نهاره صائم.
وفيه تلويح بأنه تأويل لا كل العجاف السمان، واللام في لهن ترشيح لذلك فكأن ما ادخر في السنابل من الحبوب شيء قد هيىء وقدم لهن، كالذي يقدم للنازل وإلا فهو في الحقيقة مقدم للناس فيهن.
إلا قليلاً مما تحصنون تحرزون وتدخرون للبذر ثم يأتي من بعد ذلك أي : من بعد السنين الموصوفة بما ذكر من الشدة وأكل الغلال المدخرة عام فيه (سالى كه درو) يغاث الناس من الغيث، أي يمطرون فيكون بناؤه من ثلاثي والفه مقلوبة من الياء يقال غاثنا الله من الغيث، وبابه باع ويجوز يكون من الغوث، أي : ينقذون من الشدة، فيكون بناؤه من رباعي تقول أغاثنا من الغوث فالألف مقلوبة من الواو.
وفيه يعصرون أي : ما شأنه أن يعصر من العنب والقصب والزيتون والسمسم ونحوها من الفواكه لكثرتها، وتكرير فيه لأن الغيث والغوث من فعل الله والعصر من فعل الناس، وأحكام هذا العام المبارك لست مستنبطة من رؤيا الملك، وإنما تلقاه من جهة الوحي فبشرهم بها، أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، وابتلاع العجاف للسمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة وبيانه أن البقر في جنس الحيوانات هو المخصوص بالعجافة وتناول النباتات حلوها ومرها وشرب المياه صافيها وكدرها، كما أن السنة هي التي تسع الأمور كلها مرغوبها ومكروهها وتأتي بالحوادث حسنها وسيئها، وأيضاً المعتبر في أمر التعبير هو عبارة الرائي وقد عبر الملك عن رؤياه ببقرات وسنبلات
٢٦٩
فاستشعر يوسف من الأول بالاشتقاق الكبير على ما هو المعول عليه عند الأكابرآت قرب ومن الثاني سنة بلاء، ثم إن البلاء مشترك بين الخير والشر والخضر فيه حرفان من الخير مع ظهور ضاد الضوء بها واليابس هو البائس كذا في شرح الفصوص للشيح مؤيد الدين الجندي قدس سره.
يقول الفقير أصلحه الله القدير : وجه تخصيص البقرات والسنابل أن البقر عليه في الأكل والحنطة معظم معاش الناس، فأشارت الرؤيا إلى أن الناس يقعون في ضيق معاش من جهة الحنطة التي هي أول مأكولاتهم، ومعظم أغذيتهم، ولا ينافيه وجود قحط آخر من سائر الأنواع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨