والإشارة : أن السبع البقرات السمان صفات البشرية السبع التي هي الحرص والبخل والشهوة والحسد والعداوة والغضب والكبر، والعجاف صفات الروحانية السبع التي هي أضداد صفات البشرية، وهي القناعة والسخاء والعفة والغبطة والشفقة والحلم والتواضع، والملك الروح وهو ملك مصر القالب، والملأ الأعضاء والجوارح والحواس والقوى، وليس التصرف في الملكوت ومعرفة شواهده من شأنها، والناجي هي النفس الملهمة وهي إذا أرادت أن تعلم شيئاً مما يجرى في الملكوت ترجع بقوة التفكر إلى القلب فتستخبر منه، فالقلب يخبرها لأنه يشاهد الملكوت ويطالع شواهده، وهو واقف بلسان القلب، وهو ترجمان بين الروحانيات والنفس فيما يفهم من لسان الغيب الروحاني يؤول للنفس، ويفهمها تارة بلسان الخيال، وتارة بالفكر السليم وتارة بالإلهام، وقوله : تزرعون سبع سنين دأباً يشير إلى تربية صفات البشرية السبع بالعادة والطبيعة، وذلك في سني أوان الطفولية قبل البلوغ وظهور العقل، وجريان قلم التكليف عليه فما حصدتم من هذه الصفات عند كماله فلا تستعملوه فذروه في أماكنه إلا قليلاً مما تعيشون به وهو بمنزلة الغذاء لمصالح قيام القالب إلى أن تبلغوا حد البلاغة، ويظهر نور العقل في مصباح السر عن زجاجة القلب كأنه كوكب دريّ، ونور العقل إذا أيد بتأييد أنوار تكاليف الشرع بعد البلوغ وشرف بإلهام الحق في إظهار فجور النفس، وهو صفات البشرية السبع وتقواها وهو الاجتناب بالتزكية عن هذه الصفات، والتحلية بصفات الروحانية السبع وكان السبع العجاف قد أكلن السبع السمان، وإنما سمى السبع العجاف لأنها من عالم الأرواح وهو لطيف، وصفات البشرية من عالم الأجساد تنشأ وهو كثيف، فسميت السمان، ولا يبقى من صفات البشرية عند غلبات صفات الروحانية إلا قليلاً يحصن به الإنسان حياة قالبه وبقاء صورته، وبعد غلبات صفات الروحانية واضمحلال صفات البشرية يظهر مقام، فيه يتدارك السالك جذبات العناية وفيه يتبرا العبد من معاملاته وينجو من حبس وجوده وحجب أنانيته، وكان حصنه وملجؤه الحق تعالى كذا في التأويلات النجمية.
قال الكمال الخجندي :
جامه بده جان ستان روى ميج اززيان
عاشق بي مايه را عين زيانست سود
سر فناكوش كن جام بقا نوش كن
حاجت تقرير نيست كزعدم آمد وجود
اللهم اجعلنا من أصحاب الفناء والبقاء وأرباب اللقاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ أي ملك مصر وهو الريان ائتوني به أي بيوسف وذلك أن الساقي لما رجع بتعبير الواقعة من عند يوسف
٢٧٠
إلى الملك، وفي محضره الأشراف أعجب به تعبيره وعلم أن له علماً وفضلاً فأراد أن يكرمه ويقربه ويستمع التعبير المذكور من فمه بالذات.
سخن كزدوست آرى شكراست آن
ولى كرخود بكويد خوشتراست آن
ولذا قال : ائتوني به فعاد الساقي.
فلما جاءه أي : يوسف الرسول وهو الساقي ليخرجه :
كه اي سرو رياض قدس بخرام
سوى بستان سراي شاه نه كام
وقال إن الملك يدعوك فأبى أن يخرج معه قال للرسول إرجع إلى ربك أي سيدك فاسأله ليسأل ويتفحص ما بال النسوة اللاتي (كه ه حال بود حال آن زنان كه) قطعن أيديهن في مجلس زليخا كما سبق مفصلاً :
بكفتا من ه آيم سوى شاهى
كه ون من بيكسى را بي كناهي
بزندان سالها محبوس كردست
ز آثار كرم مأيوس كردست
اكر خواهدكه من بيرون نهم اي
ازين غمخانه كو اول بفرماي
كه آناني كه ون رويم بديدند
زحيرت دررحم كفها بريدند
كه جرم من ه بوداز من ه ديدند
را رختم سوى زندان كشيدند
بودكين سر شود بر شاه روشن
كه اكست از خيانت دامن من
مرا به كرزن ثقب خزائن
كه باشم درفراش خانه خائن
ولم يذكر سيدته تأدباً ومراعاة لحقها واحترازاً عن مكرها، حيث اعتقدها مقيمة في عدوة العداوة وأما النسوة فقد كان يطمع في صدعهن بالحق وشهادتهن بإقرارها بأنها راودته عن نفسه فاستعصم.
قال العلماء : إنما أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن إلا بعد أن يتفحص الملك عن حاله مع النسوة لتنكشف حقيقة الحال عنده لا سيما عند العزيز ويعلم أنه سجن ظلماً فلا يقدر الحاسد إلى تقبيح أمره وليظهر كمال عقله وصبره ووقاره، فإن من بقي في السجن ثنتي عشرة سنة إذا طلبه الملك وأمر بإخراجه ولم يبادر إلى الخروج وصبر إلى أن تتبين براءته من الخيانة في حق العزيز وأهله، دل ذلك على براءته من جميع أنواع التهم، وعلى أن كل ما قيل فيه كان كذباً وبهتاناً، وفيه دليل على أنه ينبغي أن يجتهد في نفي التهمة ويتقى مواضعها، وفي الحديث : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعن مواقع التهم ومنه قال عليه السلام للمارين به في معتكفه وعنده بعض نسائه هي فلانة نفياً للتهمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٠