وروى عن النبي عليه السلام أنه استحسن حزم يوسف وصبره، حين دعاه الملك فلم يبادر إلى الخروج حيث قال عليه السلام : لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترطت أن يخرجوني، ولقد عجبت حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك الآية ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب وما ابتغيت العذر إنه كان حليماً ذا أناة الحلم بكسر الحاء تأخير مكافاة الظالم.
والأناة على وزن القناة التأني وترك العجلة.
قال ابن الملك : هذا ليس إخباراً عن نبينا عليه السلام بتضجره وقلة صبره، بل فيه دلالة على مدح صبر يوسف
٢٧١
وترك الاستعجال بالخروج ليزول عن قلب الملك ما كان متهماً به من الفاحشة ولا ينظر إليه بعين مشكوكة انتهى.
وقال الطيبي : هذا من رسول الله على سبيل التواضع لا أنه كان مستعجلاً في الأمور غير متأن والتواضع لا يصغر كبيراً ولا يضع رفيعاً، بل يوجب لصاحبه فضلاً ويورثه جلالاً وقدراً.
إن ربي إن الله بكيدهن بمكرزنان وقريب ايشان عليم حين قلن لي أطع مولاتك.
وفيه استشهاد بعلم الله على أنهن كدنه وأنه بريء من التهمة، كأنه قيل احمله على التعرف يتبين له براءة ساحتي فإن الله يعلم أن ذلك كان كيداً منهن
جوانمر داين سخن ون كفت باشاه
زنان مصررا كردند آكاه
كه يش شاه يكسر جمع كشتند
همه روانه آن شمع كشتند
فلما حضرن.
قال الملك لهن ما خطبكن أي شأنكن العظيم إذا راودتن ظاهر الآية يدل على أنهن جميعاً قد راودن لا امرأة العزيز فقط، فلا يعدل عنه إلا بدليل والمراودة المطالبة يوسف وخادعتنه عن نفسه هل وجدتن منه ميلاً إليكن
كزان شمع حريم جان ه ديديد
كه بروى تيغ بدنامى كشيديد
زرويش در بهار وباغ بوديد
را ره سوى زندانش نموديد
بتى كازار باشد برتنش كل
كي ازدانا سزد بر كردنش غل
كلى كش نيست تاب باد شبكير
بايش ون نهد جزآب زنجير
قلن أي : جماعة النساء مجيبة للملك.
حاشأصله حاشا بالألف فحذفت للتخفيف وهو في الأصل حرف وضع هنا موضع المصدر أي التنزيه واللام لبيان من يبرأ وينزه وقد سبق في هذه السورة فهو تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله.
والمعنى بالفارسية (كست خداي تعالى از آنكه عاجز باشد از آفريدن مرد اكيزه و يوسف) ما علمنا عليه من سوء من ذنب وخيانة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٠
زيوسف ما بجز اكى نديديم
بجز عز وشرفنا كي نديديم
نباشدد رصدف كوهر نان اك
كه بودازتهمت آن جان جهان اك
قالت امرأة العزيز أي : زليخا وكانت حاضرة في المجلس.
قال الكاشفي :(ون زليخا ديدكه جزراستى فائده ديكر نيست وى نيز باكى يوسف اقرار كرد) الآن أرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام لا زمان شهادتهن.
حصحص الحق أي وضح وانكشف وتمكن في القلوب والنفوس أنا راودته عن نفسه (مى جستم يوسف را از نفس او وآرزوى وصال كردم) لا أنه راودني عن نفسي وإنه لمن الصادقين أي في قوله هي راودني عن نفسي.
قال المولى الجامي :
بجرم خويش كرد اقرار مطلق
بر آمد زوصداي حصحص الحق
بكفتا نيست يوسف را كناهى
منم در عشق او كم كرده راهى
نخست اورا بوصل خويش خواندم
وكام من ندان از يش راندم
٢٧٢
بزندان از ستمهاى من افتاد
دران غمها زغمهاى من افتاد
غم من ون كذشت ازحدو غايت
بجانش كرد حال من سرايت
جفايى كر رسيد اورا زجافي
كنون واجب بود اورا تلافي
هر احسان كايد ازشاه نكوكار
بصد ندان بود يوسف سزاوار
قال ابن الشيخ : لما علمت زليخا أن يوسف راعى جانبها حيث قال ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن فذكر هن ولم يذكر إياها مع أن الفتن كلها إنما نشأت من جانبها وجزمت بأن رعايته إياها إنما كانت تعظيماً لجانبها وإخفاء للأمر عليها، فأرادت أن تكافئه على هذا الفعل الحسن فلذلك اعترفت بأن الذنب كله كان من جانبها، وأن يوسف كان بريئاً من الكل روى أن امرأة جاءت بزوجها إلى القاضي وادعت عليه المهر، فأمر القاضي بأن تكشف عن وجهها حتى يتمكن الشهود من أداء الشهادة على وجهها فقال الزوج لا حاجة إلى ذلك فإني مقر بصدقها في دعواها فقالت المرأة لما أكرمتني إلى هذا الحد فاشهدوا أني أبرأت ذمتك عن كل حق كان لي عليك.
قال في الإرشاد فانظر أيها المنصف هل ترى فوق هذه المرتبة نزاهة حيث لم تتمالك الخصماء عدم الشهادة بها والفضل ما شهدت به الخصماء.


الصفحة التالية
Icon