﴿قَالَ يُوسُفُ﴾ لفتيانه غلمانه الكيالين، أي الموكلين على خدمة الكيل جمع فتى وهو المملوك شاباً كان أو شيخاً.
اجعلوا بضاعتهم في رحالهم دسوها في جواليقهم وذلك بعد أخذها وقبولها وإعطاء بدلها من الطعام، والبضاعة من البضع بمعنى الشق والقطع لأنها قطعة من المال.
والرحل الوعاء ويقال لمنزل الإنسان ومأواه رحل أيضاً، ومنه نسى الماء في رحله، وكل بكل رحل من يعبي فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام وكانت نعالاً وأدما وقيل دراهم، فإن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد بالآحاد وإنما فعله عليه السلام تفضلاً عليهم وخوفاً من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به مرة أخرى لعلهم يعرفونها أي : يعرفون حق ردها وحق التكرم بإعطاء البدلين.
إذا انقلبوا أي : رجعوا إلى أهلهم وفتحوا أوعيتهم فالمعرفة مقيدة بالرجوع وتفريغ الأوعية لعلهم يرجعون لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا مرة أخرى بأخيهم بنيمين، فإن التفضل عليهم بإعطاء البدلين ولا سيما عند إعادة البضاعة من أقوى الدواعي إلى الرجوع.
فلما رجعوا من مصر إلى أبيهم في كنعان قالوا قبل أن يشتغلوا بفتح المتاع.
يا أبانا منع منا الكيل مصدر كلت الطعام إذا أعطتيه كيلاً ويجوز أن يراد به المكيال أيضا على طريقة ذكر المحل وإرادة الحال، أي منع ذلك فيما بعد في المستقبل وفيه ما لا يخفى من الدلالة على كون الامتيار مرة بعد أخرى معهوداً فيما بينهم وبينه عليه السلام.
قال الكاشفي :(يعني ملك مصر حكم كردكه ديكر طعام برمانه يمانند اكر بنيامين را نبريم) وذكروا له إحسانه، وقالوا : إنا قدمنا على خير رجل نزلنا، وأكرمنا بكرامة لو كان رجلاً من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته وذكروا أنه ارتهن شمعون.
فأرسل معنا أخانا بنيامين إلى مصر وفيه إيذان بأن مدار النمع عدم كونه معهم نكتل بسببه ما نشاء من الطعام من الاكتيال يقال اكتلت عليه، أي : أخذت منه كيلاً وإنا له لحافظون من أن يصيبه مكروه ضامنون برده.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٧
﴿ءَالِ يَعْقُوبَ﴾ هل آمنكم عليه استفهام في معنى النفي، وآمن فعل مضارع والأمن والائتمان بمعنى وهو بالفارسية (أمين داشتن كسى را).
إلا كما أمنتكم على أخيه منصوب على أنه نعت مصدر منصوب أي إلا أمنا كامني إياكم على أخيه يوسف من قبل وقد قلتم في حقه ما قلتم ثم فعلتم به ما فعلتم، فلا أثق بكم
٢٨٨
ولا بحفظكم وإنما أفوض الأمر إلى الله تعالى فالله خير مني ومنكم حافظاً تمييز أو حال، مثل : دره فارساً.
وهو أرحم الراحمين من أهل السموات والأرضين فارجو أن يرحمني بحفظه، ولا يجمع عليّ مصيبتين، وهذا كما ترى ميل منه إلى الإذن والإرسال لما رأى فيه من المصلحة.
قال كعب : لما قال يعقوب فالله خير حافظاً قال الله تعالى : وعزتي لأردنّ عليك كليهما بعد ما توكلت عليّ فينبغي أن يتوكل على الله ويعتمد على حفظه دون حفظ ما سواه فإن ما سواه محتاج في حفظه إلى الأسباب والآلات والله تعالى غني بالذات مستغن عن الوسائط في كل الأمور وفي جميع الحالات ولذا حفظ يوسف في الجب وكذا دانيال عليه السلام فإن بخت نصر طرحه في الجب وألقى عليه أسدين فلم يضراه، وجعلا يلحسانه ويتبصبصان إليه فأتاه رسول فقال يا دانيال فقال : من أنت؟ قال : أنا رسول ربك إليك أرسلني إليك بطعام فقال الحمدالذي لا ينسى من ذكره.
ومن حفظه تعالى ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله إذا أراد الحاجة أبعد فذهب يوماً تحت شجرة فنزع خفيه قال ولبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء فانفلت منه أسود سالخ وهو نوع من الأفعوان شديد السواد وسمى بذلك لأنه يسلخ جلده كل عام فقال النبي عليه السلام : هذه كرامة أكرمني الله بها اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على رجلين ومن شر من يمشي على أربع ومن شر من يمشي على بطنه.
ومن لطائف الأخبار ما ذكر في أنيس الوحدة بالفارسية :(مردى رازنى بود صاحب جمالواوازغايت غيرت كه از لوازم محبت است طاقتي نداشتى كه باد بر سر زلف أو كذر يا فتى يا آفتاب جهان تاب دروى تافتي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٨
بادرا كر خبر ازغيرت عاشق بودي
بر سر سنبل زلفش نكذشتى ازبيم
أطراف وجوانب خانه نان محفوظ ومضبوط كرادنيده كه ازنظر غير دائماً مصون ومستور بودي زن ون روزي ند دران خانه ضيق بماند بتنك آمد شوهر را كفت مراتا اين غايت رادر بند ميدارى :
در قفص طلبد هر كجا كرفتاريست