بيرون ز كفايت تو كار دكرست
ولم يرد به الغاء الحذر بالمرة كيف لا وقد قال تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}(البقرة : ١٩٥) وقال :﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ (النساء : ٧١) بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة، بل هو تدبير في الجملة وإنما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير، وأن ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله وهرب منه إليه.
﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾ أي : ما الحكم مطلقاً إلالا يشاركه أحد ولا يمانعه شيء فلا يحكم
٢٩٢
أحد سواه بشيء من السوء وغيره عليه لا على أحد سواه توكلت في كل ما آتى واذر، وفيه دلالة على أن ترتيب الأسباب غير مخل بالتوكل وعليه دون غيره فليتوكل المتوكلون الفاء لإفادة التسبب فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم.
قال سهل بن عبد الله التستري قدس سره للعباد على الله ثلاثة أشياء تكليفهم وآجالهم والقيام بأمرهم، ولله على العباد ثلاثة التوكل عليه واتباع نبيه والصبر على ذلك إلى الموت.
ومعنى ذلك أن الثلاثة الأول دخول العبد فيها تكلف إذ لا يتصور وجودها بسبب منه، ولا يجب على الله شيء.
والثلاثة الآخر لا بد من قيام العبد بها إذ لا بد من تسببه فيها.
واعلم أنه قد شهدت بإصابة العين تجاريب العلماء من الزمن الأقدم وتطابق ألسنة الأنبياء على حقيتها : قال الكمال الجندي :
عقل باطل شمرد شم توهر خون كه كند
ظاهراً بي خر ازنكته العين حقست
وفي الحديث : إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وعن علي رضي الله عنه إن جبريل أتى النبي فوافقه مغتماً فقال يا محمد ما هذا الغم الذي أراه في وجهك فقال الحسن والحسين أصابهما عين فقال يا محمد صدقت فإن العين حق وتحقيقه أن الشيء لا يعان إلا بعد كماله وكل كامل فإنه يعقبه النقص بقضاء، ولما كان ظهور القضاء بعد العين أضيف ذلك إليها فالتأثير الحاصل عقيبه هو فعل الله على وفق إجراء عادته إذ لا تأثير للعين حقيقة على ما هو مذهب أهل السنة.
وقال بعضهم تأثير المؤثر في غيره لا يجب أن يكون مستنداً إلى القوى الجسمانية بل قد يكون التأثير نفسانياً محضاً، ويدل عليه أن اللوح الذي يكون قليل العرض إذا كان موضوعاً على الأرض يقدر الإنسان على المشي عليه، ولو كان موضوعاً فيما بين جدارين عاليين يعجز عن المشي عليه وما ذلك إلا لأن خوفه من السقوط يوجب سقوطه منه، فعلمنا أن التأثيرات النفسانية موجودة من غير أن يكون للقوى الجسمانية مدخل لها، وأيضاً إذ تصور الإنسان كون فلان مؤذياً له حصل في قلبه غضب يسخن بذلك مزاجه جداً، فمبدأ تلك السخونة ليس إلا ذاك التصور النفسني ولأن مبدأ الحركات البدنية ليس إلا التصورات النفسانية، فلما ثبت أن تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد أيضاً أن يكون بعض النفوس بحيث تتعدى تأثيراتها إلى سائر الأبدان فثبت أنه لا يمتنع في العقل أن يكون بعض النفوس مؤثراً في سائر الأبدان فإن جواهر النفس مختلفة بالماهية فجاز أن يكون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان آخر بشرط أن يراه ويتعجب منه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩١
وقال بعضهم : وجه إصابة العين أن الناظر إذا نظر إلى شيء واستحسنه ولم يرجع إلى الله وإلى رؤية صنعه قد يحدث الله في المنظور علة بجناية نظره على غفلة، ابتلاء من الله لعباده ليقول المحق إنه من الله، وغيره من غيره فيؤاخذ الناظر لكونه سبباً.
وقال بعضهم : صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب المكلف متعلقاً به.
وقال بعضهم : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين فيتضرر بالهلاك والفساد، كما قيل مثل ذلك في بعض الحيات فإن من أنواع الأفاعي ما إذا وقع بصرها على عين إنسان مات من ساعته، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية بل بعضها
٢٩٣
بالمقابلة والرؤية وبعضها لا يحتاج إلى المقابلة بل يتوجه الروح إليه ونحوه، ومن هذا القبيل شر الحسود المستعاذ منه، حتى قال بعضهم إن بعض العائنين لا يتوقف عينهم على الرؤية بل ربما يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه بالوصف من غير رؤية.


الصفحة التالية
Icon