يقول الفقير : جاءت الاستعاذة بمخلوق في قول علي رضي الله عنه : إذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل أعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد وذلك أن دانيال لما ابتلى بالسباع كما ذكرناه عند قوله تعالى : فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين جعل الله الاستعاذة به في ذلك تمنع شر الذي لا يستطاع كما في حياة الحيوان.
قال بعضهم : هذا مقام من بقي له التفات إلى غير الله فأما من توغل في بحر التوحيد حيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجىء إلا إلى الله والنبي عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام قال أعوذ بك منك.
وإلهامه إحدى الهوام وهي حشرات الأرض.
وقال الخطابي : ذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما، وأما حديث ابن عجرة أيؤذيك هوام رأسك فالمراد بها القمل على الاستعارة.
واللامة الملمة، من المت به أي نزلت، وجيء على فاعلة ولم يقل ملمة للازدواج بهامة ويجوز أن يكون على ظاهرها بمعنى جامعة للشر على المعيون من لمه يلمه إذا جمعه يقال إن دارك تلم الناس أي تجمعهم.
وفي الفتوحات المكية أن التأثير الحاصل من الحروف وأسماء الله تعالى من جنس الكرامات أي إظهار الخواص بالكرامة فإن كل أحد لا يقدر استخراج خواص الأشياء.
وعن عائشة رضي الله عنها يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين وهو الذي أصيب بالعين.
وعن الحسن دواء إصابة العين أن تقرأ هذه الآية وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين}(القلم : ٥١ ـ ـ ٥٢) وليس في الباب أنفع من هذه الآية لدفع العين.
وعن عائشة ـ ـ رضي الله عنها ـ ـ أن النبي عليه السلام "كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فقرأ قل هو الله
٢٩٥
أحد والمعوذتين فنفث فيهما ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه يفعل ذلك ثلاث مرات" وقد قيل إن ذلك أمان من السحر والعين والهوام وسائر الأمراض والجراحات.
والسنة لمن رأى شيئاً فأعجبه، فخاف عليه العين أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ثم يبرك عليه تبريكاً، فيقول : بارك الله فيك وعليك.
وذكر أن أعجب ما في الدنيا ثلاثة، البوم لا تظهر بالنهار خوف أن تصيبها لعين لحسنها كما قال في "حياة الحيوان" ولما تصور في نفسها أنها أحسن الحيوان لم تظهر إلا بالليل.
والثاني الكركي لا يطأ الأرض بقدميه بل بأحداهما فإذا وطئها لم يعتمد عليها خوف أن تخسف الأرض.
والثالث الطائر الذي يقف على سوقه في الماء من الأنهار ويعرف بمالك حزين يشبه الكركي لا يشبع من الماء خشية أن يفنى فيموت عطشاً، ونظيره أن دوداً بطبرستان يكون بالنهار من المثقال إلى الثلاثة يضيء في الليل كضوء الشمع ويطير بالنهار فيرى له أجنحة وهي خضراء ملساء لا جناحين له في الحقيقة غذاؤه التراب لم يشبع قط منه خوفاً من أن يفنى تراب الأرض فيهلك جوعاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩١
يقول الفقير : ذلك الطائر وهذا الدود إشارة إلى أهل الحرص والبخل من أهل الثروة فإنهم لا يشبعون من الطعام بل من الخبز خوفاً من نفاد أموالهم مع كثرتها، ونعوذ بالله وقد التقطت إلى هنا من "إنسان العيون" و"شرح المشارق" لابن الملك و"شرح الشرعة" لابن السيد على أنوار المشارق و"شرح الطريقة" لمحمد الكردي و"الأسرار المحمدية" ولغة "المغرب" و"حياة الحيوان" و"شرح الحكم" و"حواشي" ابن الشيخ و"حواشي" سعد المفتى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩١
﴿وَلَمَّا دَخَلُوا﴾ (آن هنكام كه در آمدند اولاد يعقوب) من حيث أمرهم أبوهم من الأبواب المتفرقة في البلد والجار والمجرور في موضع الحال، أي دخلوا متفرقين ما كان يغني عنهم رأي يعقوب ودخولهم متفرقين من الله من جهته تعالى من شيء أي : شيئاً مما قضاه عليهم والجملة جواب لما إلا حاجة في نفس يعقوب قضيها حاجة منصوبة بإلا لكونها بمعنى لكن، وقضاها بمعنى أظهرها، ووصى بها خبر لكن، والمعنى أن رأي يعقوب في حق بنيه وهو أن يدخلوا من الأبواب المتفرقة واتباع بنيه له في ذلك الرأي ما كان يدفع عنهم شيئاً مما قضاه الله عليهم، ولكن يعقوب أظهر بذلك الرأي ما في نفسه من الشفقة والاحتراز من أن يعانوا، أي : يصابوا بالعين ووصى به، أي لم يكن للتدبير فائدة سوى دفع الخاطر من غير اعتقاد أن للتدبير تأثيراً في تغيير التقرير، وأما إصابة العين فإنما لم تقع لكونها غير مقدرة عليهم لا لأنها اندفعت بذلك مع كونها مقتضية عليهم.
قال في المثنوى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
كرشود ذرات عالم حيله ي
باقضاى آسمان هيست هي
هره آيد زآسمان سوى زمين
نى مقر دارد نه اهره نه كمين
حيله ها وارها كز ا دهاست
يش إلا الله إنها جمله لاست


الصفحة التالية
Icon