ثم إن في قوله : فلا تبتئس بما كانوا يعملون إشارة إلى أن الله تعالى لا يهدي كيد الحاسدين بل النصر الإلهي والتأييد الرباني مع القوم الصالحين ولذلك قال النبي لصاحبه في الغار لا تحزن إن الله معنا ألا ترى إلى ما فعل أولاد يعقوب في حق يوسف وأخيه من الحسد والأذى فما وصلوا إلى ما أملوا بل الله تعالى جمع بينهما أي الأخوين ولو بعد حين وكذا بين يعقوب ويوسف فلها جهزهم بجهازهم الجهاز المتاع وهو كل ما ينتفع به أي كال كيلهم وأعطى كل واحد منهم حمل بعير وأصلحهم بعدتهم وهي الزاد في السفر.
وفي القصص قال يوسف لأخوته أتحبون سرعة الرجوع إلى أبيكم قالوا نعم فأمر الكيال بكيل الطعام وقال له زدهم وقر بعير ثم جهزهم بأحسن جهاز وأمرهم بالمسير روى إن يوسف لما تعرف إلى أخيه بنيامين (از هوش برفت وباخود آمده دست دركردن يوسف افكند وبزبان حال كفت
اين كه مى بينم به بيداريست يا رب يا بخواب
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
خويشتن رادر نين راحت س از ندين عذاب
آنكه دست در دامن زد) قائلاً له فأنا لا أفارقك قال يوسف قد علمت اغتمام والدي بي فإذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أشهرك بأمر فظيع قال لا أبالي فافعل ما بدا لك قال ادس صاعي في رحلك ثم أنادي عليك بأنك سرقته ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك معهم قال افعل فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية هي مشربة بكسر الميم أي أناء يشرب منه جعلت صواعاً يكال به وكانت من فضة وكان الشرب في إناء الفضة مباحاً في الشريعة الأولى أو من بلور أو زمردة خضراء أو ياقوتة حمراء تساوي مائتي ألف دينار ويشرب يوسف منها وقال في الكواشي كانت من ذهب مرصعة بالجواهر كال بها لأخوته إكراماً لهم.
وقال الكاشفي (ملك ازان آب خوردي درين وقت بجهت عزت ونفاست طعام آنرا يمانه ساخته بود) في رحل أخيه بنيامين ولما انفصلوا عن مصر نحو الشام أرسل يوسف من استوقفهم فوقفوا ثم أذّن مؤذن أي نادى مناد من فتيان يوسفو اسمه أفراييم أيتها العبر (اي كاروانيان) وهي الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تذهب وتجيء والمراد أصحاب الإبل إنكم لسارقون قال بعضهم هذا الخطاب بأمر يوسف
٢٩٨
فلعله أراد بالسرقة أخذم له من أبيه ودخول بنيامين فيه يطريق التلغيب وهو من قبيل المبالغة في التشبيه أي ذتم يوسف من أبيه على وجه الخيانة كالسراق وقد صدر التعريض والتورية من الأبناء عليهم السلام روى إن رسول الله لما نزل قريباً من بدر ركب هو وأبو بكر حتى وقفا على شيخ من العرب يقال له سفيان فسأله عليه السلام عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال لا أخبركما حتى تخبراني من انتما فقال له عليه السلام إذا برتنا أخبرناك فاخبر الشيخ حسبما بلغه خبرهم فلما فرغ قال من أنتما فقال عليه السلام : نحن من ماء دافق وأوهم إنه من ماء العراق ففيه تورية وأضيف الماء إلى العراق لكثرته به وروى إن رسول الله لما خرج من الغار وتوجه إلى المدينة كان أبو بكر رضي الله عنه رديفاً له وإذا سأله أي أبا بكر سائل من هذا الذي معك يقول هذا الرجل يهديني الطريق يعني طريق الخير كذا في إنسان العيون.
قال في حواشي سعدي المفتي لكذب إذا تضمن مصلحة يرخص فيه (دروغ مصلحت آميز به ازراست فتنه انكيز) وقال بعضهم هذا الخطاب من قبل المؤذن بناء على عزمه وذلك أن يوسف وضع السقاية بنفسه في رحل أخيه وأخفى الأمر عن الكل أو أمر بذلك بعض خواصه.
قال في القصص إنه ابنه وأمره بإخفاء ذلك عن الكل ثم إن أصحاب يوسف لما طلبوا السقاية وما ودوها وما كان هناك أحد غير الذين ارتحلوا غلب على ظنهم إنهم هم الذين أخذوها فنادى المنادي من بينهم على حسب ظنه إنكم لسارقون قالوا أي الأخوة واقبلوا عليهم جملة السقاية ماذا تفقدون أي تعدمون تقول فقدت الشيء إذا عدمته بأن ضل عنك لا بفعلك والمآل ما الذي ضاع منكم قالوا في جوابهم نفقد صواع الملك وصيغة المضارع في كلا المحلين لاستحضار الصورة ثم قالوا تربية لما تلقوه من قبلهم وإراءة لاعتقاد إنه إنا بقى في رحلهم اتفاقاً ولمن جاء به من عند نفسه مظهراً له قبل التفتيش.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
وفي البحر ولمن دل على سارقه وفضحه حمل بعير من البر جعلا له وأنا به زعيم كفيل أؤديه إلى من جاء به ورده لأن الملك يتهمني في ذلك وهو قول المؤذن.


الصفحة التالية
Icon