وفي التأويلات النجمية فيه إشارة إلى أن من يكون مستأهلاً لحمل البعير الذي هو علف الدواب متى يكون مستحقاً لمشربة هي من مشارب الملوك قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم والجمهور على أن التاء بدل من الواو مختصة باسم الله تعالى.
والمعنى ما أعجب حالكم أنتم تعلمون علماً جلياً من ديانتنا وفرط أمانتنا اننا بريئون مما تنسبون إلينا فكيف تقولون لنا إنكم لسارقون.
وقوله لنفسد أي لنسرق فإنه من أعظم أنواع الفساد وما كنا سارقين أي ما كنا نوصف بالسرقة قط وإنما حكموا بعلمهم ذلك لأن العلم بأحوالهم الشاهدة يستلزم العلم بأحوالهم الغائبة قالوا أي أصحاب يوسف فما جزاؤه على حذف المضاف أي فما جزاء سرقة الصواع عندكم وفي شريعتكم إن كنتم كاذبين في جحودكم ونفى كون الصواع فيكم قالوا جزاؤه من وجد أي ذ من وجد الصواع في رحله واسترقاقه
٢٩٩
وكان حكم السارق في شرع يعقوب أن يسترق سنة بدل القطع في شريعتنا فهو جزاؤه تقرير لذلك الحكم أي فأخذه جزاؤه كذلك أي مثل ذلك الجزاء الأدنى نجزي الظالمين بالسرقة تأكيد للحكم المذكور غب تأكيد وبيان بقبح السرقة ولقد فعلوا ذلك ثقة بكمال براءتهم نمها وهم عما فعل بهم غافلون فبدأ يوسف بعد ما رجعوا إليه التفتيش بأوعيتهم بأوعية الأخوة العشرة أي بتفتيشها قبل تفتيش وعاء أخيه بنيامين لنفي التهمة روى أن أصحاب يوسف قالوا انيخوا نفتش رحالكم فأناخوا وواثقين ببراءتهم ففتشوا رحل الأخ الأكبر ثم الذي يليه ثم وثم إلى أن بلغت النوبة إلى رحل بنيامين فقال يوسف ما أظن أخذ هذا شيئاً فقالوا والله لا نتركه حتى ننظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه وذلك قوله ثم استخرجها أي الصواع لأنه يذكر ويؤنث من وعاء أخيه فلما وجد الصاع مدسوساً في رحل بنيامين واستخرج منه نكسوا رؤوسهم وانقطت ألسنتهم فأخذوا بنيامين مع ما معه من الصواع وردوه إلى يوسف وأخذوا يشتمونه بالعبرانية وقالوا له يا لص ما حملك على سرقة صاع الملك ولا يزال ينالنا منك بلاء كما لقينا من ابن راحيل فقال بنيامين بل ما لقى ابنا راحيل البلاء إلا منكم فأما يوسف فقد عملتم به ما فعلتم وأما أنا فسرّقتموني أي نسبتموني إلى السرقة قالوا فمن جعل الإناء في متاعك أليس قد خرج من رحلك قال إن كنتم سرقتم بضاعتكم الأولى وجعلتموها في رحالكم فكذلك ا سرقت الصاع وجعلته في رحلي فقال روبيل والله لقد صدق وارد بنيامين أن يخبرهم بخبر يوسف فذكر وصيته له فسكت كذلك نصب على المصدرية والكاف مقحمة للدلالة على فخامة المشار إليه وكذا ما في ذلك من معنى البعد أي مثل ذلك الكيد العجيب وهو عبارة عن إرشاد الأخوة إلى الافتاء المذكور بإجرائه على ألسنتهم وبحملهم عليه بواسطة المستفتين من حيث لم يحتسبوا فمعنى قوله تعالى كدنا ليوسف صنعنا له ودبرنا لأجل تحصيل غرضه من المقدمات التي رتبها من دس الصواع وما يتلوه فاللام ليست كما في قوله : فيكيدوا لك كيداً فإنها داخلة على المتضرر على ما هو الاستعمال الشائع.
والكيد في الأصل عبارة عن المكر والخديعة وهو أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه ما كان يوسف ليأخذ أخاه في دين الملك استئناف وتعليل لذلك الكيد وصنعه كأنه قيل لماذا فعل يوسف ذلك فقيل لأنه لم يكن ليأخذ أخاه بما فعل في دين ملك مصر في أمر السارق أي في حكمه وقضائه إلا به لأن جزاء السارق في دينه إنما كان ضربه وتغريمه ضعف ما أخذ دون الاسترقاق والاستعباد كما هو شريعة يعقوب فلم يكن يتمكن بما صنعه من أخذ أخيه بالسرقة التي نسبها إليه في حال من الأحوال إلا أن يشاء الله أي إلا حال مشيئته التي هي عبارة عن إرادته لذلك الكيد وإلا حال مشيئته للأخذ بذلك الوجه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
قال الكواشي لولا شريعة أبيه لما تمكن من أخذ أخيه انتهى.
قال في بحر العلوم وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية كقوله لأيوب وخذ بيدك ضغثاً ليتخلص من جلدها ولا يحنث وكقول إبراهيم هي أختي لتسلم من يد الكافر وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرق إلى التخلص من الوقوع في المفاسد وقد علم الله في هذه الحيلة التي لقنها يوسف مصالح عظيمة
٣٠٠
فجعلها سلماً وذريعة إليها فكانت حسنة جميلة وانزاحت عنها وجوه القبح نرفع درجات أي رتبا كثيرة عالية من العلم وانتصابها على المصدرية أو الظرفية أو على نزع الخافض أي إلى درجات والمفعول قوله تعالى من نشاء أي نشاء رفعه حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة كما رفعنا يوسف وفوق كل ذي علم من الخلق عليم ارفع درجة منه في العلم يعني ليس من عالم إلا وفوقه اعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى
دست شد بالاي دست اين تاكجا
تا بيزدان كه إليه المنتهى
كان يكى درياست بي غور وكران
جمله درياها وسيلي يش آن