وعن محمد بن كعب إن رجلاً سأل علياً رضي الله عنه عن مسألة فقال فيها قولاً فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا وكذا فقال علي أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم.
وفي التأويلات النجمية نرفع درجات من نشاء من عبادنا بأن نؤتيه علم الصعود من حضيض البشرية إلى ذروة العبودية بتوفيق الربوبية وفوق كل ذي علم آتيناه علم الصعود عليم يجذبه من المصعد الذي يصعد إليه بالعلم المخلوق إلى مصعد لا يصعد إليه إلا بالعلم القديم وهو السير في الله بالله إلى الله وهذا صواع لا يسعه أوعية الإنسانية انتهى كلام التأويلات قالوا أن الصواع لما خرج من رحل بنيامين افتضح الأخوة ونكسوا رؤوسهم حياء فقالوا تبرئة لساحتهم أن يسرق بنيامين فلا عجب فقد سرق أخ له من قبل يريدون به يوسف.
واختلف فيما أضافوا إلى يوسف من السرقة فقيل كان أخذ في صباه صنماً كان لجده أبي أمه لأنه كان يعبد الأصنام بحران وهي بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء قرية في جانب دمشق فقالت رحيل لابنها يوسف خذ الصنم واكسره لعله يترك عبادة الصنم فأخذه يوسف وكسره وألقاه بين الجيف في الطريق وهو الأصح لما ذكر في الفردوس إن النبي قال : سرق يوسف صنماً لجده أبي أمه من فضة وذهب فكسره والقاه على الطريق وعيره أخوته بذلك.
وفيه إشارة إلى أن الإنسان الكامل قابل لتهمة السرقة في بدء الأمر وهي الاستراق من الشهوات الدنيوية النفسانية ويخلص في النهاية للأمور الأخروية الروحانية فبين أول الأمر وآخره فرق كثير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
وقيل كانت لإبراهيم منطقة يتوارثها أكابر ولده فورثها إسحاق ثم وقعت إلى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهي عمته بعد وفاة أمه راحيل وكانت تحبه حباً شديداً بحيث لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينزعه منها فاحتالت بأن شدت المنطقة على وسط يوسف تحت ثيابه وهو نائم وقالت فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها مشدودة علي يوسف تحت ثيابه فقالت إنه سرقها مني فكان سلماً لي وكان حكمهم إن من سرق يسترق فتوسلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها فتركه يعقوب عندها إلى أن ماتت فأسرّها يوسف أي أكن الحزازة الحاصلة مما قالوا والحزازة وجع في القلب من غيظ ونحوه كما في القاموس.
وقال في الكواشي فأسرها أي كلمتهم إنه سرق في نفسه لا إنه أسرها في بعض أصحابه كما في قوله : وأسررت لهم أسراراً ولم يبدها لهم أي : لم يظهرها لهم لا قولاً ولا فعلاً صفحاً عنهم وحلماً كأنه قيل فماذا قال في نفسه عند تضاعيف ذلك الإسرار،
٣٠١
فقيل : قال أنتم شر مكاناً أي : منزلة حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريىء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : عوقب يوسف بثلاث حين همّ بزليخا فسجن، وحين قال اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين، وحين قال إنكم لسارقون فردوا عليه وقالوا فقد سرق أخ له من قبل والله أعلم بما تصفون أي : عالم علماً بالغاً إلى أقصى المراتب بأن الأمر ليس كما تصفون من صدور السرقة منا، بل إنما هو افتراء علينا، فالصيغة لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه على علمهم كيف لا وليس لهم بذلك من علم.
وفي البحر أعلم بما تصفون منكم لأنه عالم بحقائق الأمور وكيف كانت سرقة أخيه الذي أحلتم سرقته عليه انتهى.
فأعلم على ما قرره على معناه التفضيلي، فإن قيل : لم يكن فيهم علم والتفضيل يقتضي الشركة قلنا : يكفي الشركة بحسب زعمهم فإنهم كانوا يدعون العلم لأنفسهم ألا يرى إلى قولهم فقد سرق أخ له من قبل على سبيل الجزم كما في الحواشي السعدية روى أنهم أكلوا العزيز في إطلاق بنيامين فقال روبيل أيها الملك لتردّن إلينا أخانا أو لأصيحنّ صيحة تضع منها الحوامل في مصر وقامت شعور جسده فخرجت من ثيابه، وكان بنوا يعقوب إذا غضبوا لا يطاقون خلا أنه إذا مس من غضب واحد منهم سكن غضبه، فقال يوسف لابنه قم إلى جنبه فمسه ويروى خذ بيده فمسه فسكن غضبه فقال روبيل إن هنا لبذراً من بذر يعقوب، فقال يوسف من يعقوب؟ وروى إنه غضب ثانياً، فقام إليه يوسف فركضه برجله وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض، فقال : أنتم معشر العبرانيين تظنون أن لا أحد أشد منكم :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
خدايى كه بالا وبست آفريد
ز بردست هردست دست آفريد
قال السعدي :
كره شاطر بودخروس بجنك
ه زند يش باز رويين نك
كربه شيرست در كر فتن موش
ليك موشست در مصاف لنك
ولما رأوا أن لا سبيل لهم إلى تخليصه خضعوا، حيث.
قالوا مستعطفين يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً في السن لا يكاد يستطيع فراقه (وبعد ازهلاك سر خود يوسف بدو انس والفت دارد) فخذ أحدنا مكانه بدله على وجه الاسترهان أو الاسترقاق، فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة إنا نريك من المحسنين إلينا في الكيل والضيافة، فأتمم إحسانك بهذه النعمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦