قال في الكواشي جماعة يتناجون سراً، لأن النجي من تساره، وهو مصدر يعم الواحد والجمع والذكر والأنثى قال كبيرهم في السن وهو روبيل أو في العقل وهو يهوداً أو رئيسهم وهو شمعون، وكانت له الرياسة على أخوته كأنهم أجمعوا عند التناجي على الانقلاب جملة ولم يرض، فقال : منكراً عليهم ألم تعلموا أي قد علمتم يقيناً أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله عهداً وثيقاً، وهو حلفهم بالله وكونه من الله لأذنه فيه.
وقال الكاشفي :(وشما سوكند خوريد بمحمد آخر زمان كه درشان وى غدر نكنيد اكنون اين صورت واقع شد).
ومن قبل أي من قبل هذا وهو متعلق بالفعل الآتي.
ما مزيدة فرطتم في يوسف أي : قصرتم في شأنه ولم تحفظوا عهد أبيكم وقد قلتم وإنا لناصحون وإنا له لحافظون، فنحن متهمون بواقعة يوسف فليس لنا مخلص من هذه الورطة فلن أبرح الأرض ضمن معنى المفارقة فعدى إلى المفعول، أي لن أفارق أرض مصر ذاهباً منها فلن أبرح تامة لا ناقصة، لأن الأرض لا تحمل على المتكلم.
حتى يأذن لي أبي في العود إليه وكأن أيمانهم كانت معقودة على عدم الرجوع بغير إذن يعقوب.
أو يحكم الله لي بالخروج منها على وجه لا يؤدي إلى نقض الميثاق أو بخلاص أخي بسبب من الأسباب.
وهو خير الحاكمين إذ لا يحكم إلا بالحق والعدل.
قال الكاشفي :(وميل ومداهنه در حكم او نيست).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٢
﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا اأَبَانَآ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلا بِمَا عَلِمْنَا﴾ وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمنا وشاهدنا أن الصواع استخرج من وعائه وما كنا للغيب أي باطن
٣٠٣
الحال حافظين فما ندري أحقيقة الأمر كما شاهدنا أم هي بخلافه؟ يعني :(بظاهر دزدي أو ديدم أما ازنفس الأمر خبر نداريم كه بروتهمت كردند وصاع را درباراو نهادند يا خود مباشر اين أمر بوده).
ثم إنهم لما كانوا متهمين بسبب واقعة يوسف أمرهم كبيرهم بأن يبالغوا في إزالة التهمة عن أنفسهم ويقولوا :
واسأل القرية التي كنا فيها أي : وقولوا لأبيكم أرسل إلى أهل مصر واسألهم عن كنه القصة لتبين لك صدقنا والعير التي أقبلنا فيها العير الإبل التي عليها الأحمال، أي أصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم، وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب.
وإنا لصادقون ثم رجع كبيرهم فدخل على يوسف، فقال له : لِمَ رجعت؟ قال إنك اتخذت أخي رهينة فخذني معه فجعله عند أخيه وأحسن إليهما، كأنه قيل فماذا كان عند قول المتوقف لأخوته ما قال فقيل :
قال يعقوب عندما رجعوا إليه فقالوا له ما قال لهم أخوهم.
بل اضراب عما يتضمن كلامهم من ادعاء البراءة من التسبب فيما نزل به وأنه لم يصدر منهم ما يؤدي إلى ذلك من قول أو فعل، كأنه قيل لم يكن الأمر كذلك بل سولت لكم زينت وسهلت أنفسكم أمراً من الأمور اردتموه ففعلتموه وهو فتواكم أن جزاء السارق أن يؤخذ ويسترق، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته لأن ذلك إنما هو من دين يعقوب لا من دين الملك ولولا فتواكم وتعليمكم لما حكم الملك بذلك، ظن يعقوب عليه السلام سوأ بهم كما كان في قصة يوسف قبل فاتفق أن صدق ظنه هناك ولم يتحقق هنا.
قال السعدي :(دروغ كفتن بضربت لازب ما ندكه اكر نيز جراحت درست شود نشان بماند ون برادران يوسف بدروغي موسوم شدند بر راست كفتن ايشان نيز اعتماد نماند) قال الله تعالى : بل سولت لكم الآية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٣
كسى را كه عادت بود راستي
خطا كر كند در كذا رند ازو
وكر نامور شد بناراستي
دكر راست باور ندارند ازو
فصبر جميل أي : فأمري صبر جميل وهو أن لا يكون فيه شكوى إلى الخلق.
وعن أبي الحسن قال : خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام فبينا أنا أطوف وإذا بامرأة قد أضاء حسن وجهها، فقلت : والله ما رأيت إلى اليوم قط نضارة وحسناً مثل هذه المرأة، وما ذاك إلا لقلة الهم والحزن فسمعت ذلك القول مني فقالت كيف قلت يا هذا الرجل؟ والله إني لوثيقة بالأحزان مكلومة الفؤاد بالهموم والأشجان ما يشركني فيها أحد، فقلت وكيف ذلك قال ذبح زوجي شاة ضحينا بها ولي ولدان صغيران يلعبان وعلى يدي طفل يرصع فقمت لا صنع لهم طعاماً إذ قال ابني الكبير للصغير، ألا أريك كيف صنع أبي بالشاة؟ قال بلى فاضجعه وذبحه وخرج هارباً نحو الجبل فأكله ذئب، فانطلق أبوه في طلبه فأدركه العطش فمات، فوضعت الطفل وخرجت إلى الباب انظر ما فعل أبوهم فدب الطفل إلى البرمة وهي على النار فالقى يده فيها وصبها على نفسه وهي تغلي فانتشر لحمه عن عظمه فبلغ ذلك ابنة لي كانت عند زوجها فرمت بنفسها إلى الأرض فوافقت أجلها فأفردني الدهر من بينهم، فقلت لها فكيف صبرك على هذه المصائب العظيمة فقالت : ما من أحد ميز الصبر والجزع إلا وجد بينهما منهاجاً متفاوتاً فأما
٣٠٤
الصبر بحسن العلانية فمحمود العاقبة وأما الجزع فصاحبه غير معوض ثم أعرضت وهي تنشدني :
صبرت وكان الصبر خير معول
وهل جزع يجدي عليّ فاجزع


الصفحة التالية
Icon