صبرت على ما لو تحمل بعضه
جبال غرور أصبحت تتصدع
ملكت دموع العين حتى رددتها
إلى ناظري فالعين في القلب تدمع
عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً (شايدكه خداي تعالى آورد همه ايشانرا بمن).
أي : بيوسف وأخيه والمتوقف بمصر، فإنهم حين ذهبوا إلى البادية أول مرة كانوا اثني عشر فضاع يوسف وبقى أحد عشر، ولما أرسلهم إلى مصر في الكرة الثانية عادوا تسعة لأن بنيامين حبسه يوسف واحتبس ذلك الكبير الذي قال فلن أبرح الأرض فلما بلغ الغائبون ثلاثة لاجرم أورد صيغة الجمع إنه هو العليم بحالي في الحزن والأسف الحكيم الذي لم يبتلني إلا لحكمة بالغة.
واعلم أن البلاء على ثلاثة أضرب، منها تعجيل عقوبة للعبد، ومنها امتحان ليبرز ما في ضميره فيظهر لخلقه درجته اين هو من ربه، ومنها كرامة ليزداد عنده قربة وكرامة، وأما تعجيل العقوبة فمثل ما نزل بيوسف عليه السلام من لبثه في السجن بالهم الذي هم به ومن لبثه بعد مضي المدة في السجن.
بقوله : اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ومثل ما نزل بيعقوب كما قال وهب : أوحى الله إلى يعقوب أتدري لما عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة؟ قال : لا إلهي، قال لأنك شويت عناقاً وقترت على جارك وأكلت ولم تطعمه وروى أن سبب ابتلاء يعقوب إنه ذبح عجلاً بين يدي أمه وهو يخور.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٣
وقيل : اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت وروى أنه أوحى إليه إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيئاً.
وأما الامتحان فمثل ما نزل بأيوب عليه السلام قال تعالى : إنا وجدناه صابرا نعم العبد أنه أواب}(ص : ٤٤).
وأما الكرامة فمثل ما نزل بيحيى بن زكريا عليهما السلام ولم يعمل خطيئة قط ولم يهم بها فذبح ذبحاً وأهدى رأسه إلى يغي من بغايا بني إسرائيل وفي الكل عظم الأجر والثواب بالصبر وعدم الاضطراب.
وقام بعضهم ليقضي ورده من الليل فأصابه البرد فبكى من شدته فجازت عليه سنة فقال له قائل ما جزاء إن أنمناهم وأقمناك إلا أن تبكي علينا فانتبه واستغفر.
قال أبو القاسم القشيري : سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، يقول في آخر عمره، وقد اشتدت به العلة : من أمارات التأييد حفظ التوحيد في أوقات الحكم، ثم قال : كالمفسر لفعله مفسراً لما كان فيه من حاله : وهو أن يقرضك بمقاريض القدرة في إمضاء الأحكام قطعة قطعة وأنت ساكن خامد قال الحافظ :
عاشقا نرا كردر آتش مى سندد لطف يار
تنك شمم كر نظر در شمه كوثر كنم
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٣
﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ أعرض يعقوب عنهم كراهة لما سمع منهم.
قال الكاشفي :(س يعقوب ازغايت ملال توجه به بيت الأحزان فرمود) قال الجامي :
رواى همدم تودر بزم طرب بادوستان خوش زي
مرا بكذار تاتنها درين بيت الحزن ميرم
٣٠٥
وقال يا أسفي على يوسف الأسف : أشد الحزن والحسرة، وأصله يا أسفي بإضافة الأسف إلى ياء المتكلم فقلبت الياء ألفاً طلباً للتخفيف لأن الفتحة والألف أخف من الكسرة والياء نادى أسفه وقال يا أسفا تعال واحضر فهذا أوانك.
قال الجامي :
كرو يوسف زما شوى غائب
همو يعقوب ما ويا أسفا
وقال الحافظ :
يوسف عز يزم رفعت أي برادران رحمي
كز غمش عجب ديدام حال ير كنعاني
وإنما تأسف على يوسف مع أن الحادث مصيبة أخويه بنيامين والمحتبس والحادث أشد على النفس، دلالة به على تمادي أسفه على يوسف وإن زرأه أي مصيبته مع تقادم عهده كان غضاً عنده طرياً، ولأن زرأ يوسف كان قاعدة المصيبات ولأنه كان واثقاً بحياتهما عالماً بمكانهما طامعاً في إيابهما، وأما يوسف فلم يكن في شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وفي الحديث : لم تعط أمة من الأمم إنا الله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد ألا يرى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع بل قال يا أسفا على يوسف.
وعن أبي ميسرة قال لو إن الله أدخلني الجنة لعاتبت يوسف بما فعل بأبيه حيث لم يكتب كتاباً ولم يعلم حاله ليسكن ما به من الغم انتهى.
يقول الفقير : هذا كلام ظاهري وذهول عما سيأتي من الخبر الصحيح أن هذا كان بأمر جبرائيل عن أمر الله تعالى، وإلا فكيف يتصور من الأنبياء قطع الرحم، وقد كان بين مصر وكنعان ثماني مراحل.
وابيضت عيناه من الحزن الموجب للبكاء فإن العبرة إذا كثرت محقت سواد العين وقلبته إلى بياض وقد تعميها كما أخبر عن شعيب عليه السلام، فإنه بكى من حب الله تعالى حتى عمي فرد الله عليه بصره، وكذا بكى يعقوب حتى عمءَ وهو الأصح لقوله تعالى : فارتد بصيراً.
قال الكمال الجندي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٥
زكريه برسر مردم يقين كه خانه شم
فرو رود شب هجران زبس كه بارانست
روى أنه ما جفت عيناً يعقوب من يوم فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين سنة، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب.
فإن قلت : لم ذهب بصر يعقوب بفراقه واشتياقه إلى يوسف.