وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال : إن الله تعالى حين أمر موسى عليه السلام بالسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل معه عظام يوسف وأن لا يخلفها بأرض مصر وإن يسير بها حتى يضعها في الأرض المقدسة أي وفاء بما أوصى به يوسف، فقد ذكر أنه لما أدركته الوفاة أوصى أن يحمل إلى مقابر آبائه فمنع أهل مصر أوليائه من ذلك، فسأل موسى عمن يعرف موضع قبر يوسف فما وجد أحداً يعرفه إلا عجوزاً في بني إسرائيل فقالت له يا نبي الله أنا أعرف مكانه وأدلك عليه إن أنت أخرجتني معك ولم تخلفني بأرض مصر قال افعل، وفي لفظ أنها قالت أكون معك في الجنة فكأنه ثقل عليه ذلك فقيل له : أعطها طلبتها فأعطاها وقد كان موسى وعد بني إسرائيل
٣٢٧
أن يسير بهم إذا طلع القمر فدعا ربه أن يؤخر طلوع القمر حتى يفرغ من أمر يوسف ففعل فخرجت به العجوز حتى أرته إياه في ناحية من النيل.
وفي لفظ في مستنقعة ماء أي وتلك المستنقعة في ناحية من النيل فقالت لهم : انضبوا عنها الماء أي ارفعوه عنها ففعلوا فقالت : احفروا فحفروا وأخرجوه.
وفي لفظ أنها انتهت به إلى عمود على شاطىء النيل، أي في ناحية منه فلا يخالفه ما سبق في أصله سكة من حديد فيها سلسلة، ويجوز أن يكون حفرهم الواقع في تلك الرواية كان على إظهار تلك السلسلة فلا مخالفة، ووجده في صندوق من حديد في وسط النيل في الماء استخرجه موسى وهو في صندوق من مرمر أي داخل ذلك الصندوق الذي من الحديد فاحتمله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩
وفي "أنيس الجليس" أن موسى جاءه شيخ له ثلاثمائة سنة فقال له يا نبي الله ما يعرف قبر يوسف إلا والدتي فقال له موسى : قم معي إلى والدتك فقام الرجل ودخل منزله وأتى بقفة فيها والدته فقال لها : ألك علم بقبر يوسف قالت نعم ولا أدلك على قبره إلا أن دعوت الله أن يرد عليّ شبابي إلى سبع عشرة سنة ويزيد في عمري مثل ما مضى فدعا موسى لها وقال لها كم عمرك قالت تسعمائة سنة فعاشت الفا وثمانمائة سنة فأرته قبر يوسف وكان في وسط نيل مصر ليمر النيل عليه فيصل إلى جميع مصر فيكونوا شركاء في بركته فاخصب الجانبان وكان بين دخول يوسف مصر إلى يوم خروج موسى أربعمائة سنة وهو أي يوسف أول نبيّ من بني إسرائيل.
قال في "بحر العلوم" ولقد توارثت الفراعنة من العمالقة بعده مصر ولم تزل بنوا إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه إلى أن بعث الله موسى فنجاهم من الفراعنة بعونه وتيسيره.
وعن عمر بن عبد العزيز أن ميمون بن مهران بات عنده فرآه كثير البكاء والمسألة للموت فقال : صنع الله على يديك خيراً كثيراً أحييت سنناً وأمت بدعاً، وفي حياتك خير وراحة للمسلمين، فقال : أفلا أكون كالعبد الصالح لما أقر الله عينه وجمع له أمره قال توفني مسلماً وألحقني بالصالحين.
كرت ملك جهان زير نكين است
بآخر جاي تو زير زمين است
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩
﴿ذَالِكَ﴾ المذكور من نبأ يوسف يا محمد من أنباء الغيب من الأخبار التي غاب عنك علمها نوحيه إليك على لسان جبريل وهو خبر ثانٍ لقوله : ذلك.
وما كنت حاضراً لديهم أي : عند أخوة يوسف إذ أجمعوا أمرهم حين عزموا على إلقائه في غيابة الجب فإن الإجماع العزم على الأمر يقال أجمعت الأمر وعليه وهم يمكرون به وبابيه ليرسله معهم وإنما نفى الحضور وانتفاؤه معلوم بغير شبهة تهكماً بالمنكرين للوحي من قريش وغيرهم لأنه كان معلوماً عند المكذبين علماً يقيناً أنه عليه السلام ليس من جملة هذا الحديث وأشباهه ولا قرأ على أحد ولاسمع منه، وليس من علم قومه فإذا أخبر به لم يبق شبهة في أنه من جهة الوحي لا من عنده فإذا أنكروه تهكم بهم.
وقيل لهم قد علمتم يا مكابرين أنه لا سماع له من أحد ولا قراءة ولا حضور ولا مشاهدة لمن مضى من القرون الخالية روي أن كفار قريش وجماعة من اليهود سألوا رسول الله عن قصة يوسف على سبيل التعنت، فلما أخبرهم على موافقة التوراة لم يسلموا فحزن النبي عليه السلام فعزاه الله بقوله :
وما أكثر الناس عام لأهل مكة وغيرهم.
ولو حرصت على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات لهم،
٣٢٨
والحرص طلب شيء باجتهاد في إصابته بمؤمنين لعنادهم وتصميمهم على الكفر وهذا في الحقيقة من أسرار القدر ؛ لأن عدم إيمانهم من مقتضيات استعداداتهم الأزلية الغير المجعولة وأحوال أعيانهم الثابتة.
فإن قلت : فما فائدة التكليف والأمر بما يعلم عدم وقوعه؟
قلت : فائدته تمييز من له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة وأهلهما.
فإن قلت : لم كان الكفرة أكثر مع أن الله تعالى خلق الخلق للعبادة.
قلت : المقصود ظهور الإنسان الكامل وهو واحد كألف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٨