قل هذه سبيلي أي : هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي أي طريقي وهما يذكران ويؤنثان، ثم فسرها بقوله : ادعو إلى الله إلى دينه وطاعته وثوابه الموعود يوم البعث على بصيرة بيان وحجة بصيرة أي واضحة مرشدة إلى المطلوب فإن الدليل إذا كان بصيراً يتمكن من الإرشاد والهداية بخلاف ما إذا كان أعمى.
أنا تأكيد للمستتر في ادعو ومن اتبعني عطف عليه أي ادعو إليه إنا ويدعوا إليه من اتبعني وسبحان الله اسم من التسبيح منصوب بفعل مضمر وهو اسبح، أي أسبح الله تسبيحاً، أي انزهه تنزيهاً من الشركاء.
وما أنا من المشركين عطف على وسبحان الله عطف الجملة على الجملة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٠
وفي نفائس المجالس قل هذه سبيلي أي الدعوة إلى التوحيد الذاتي طريقي المخصوصة بي ثم فسر السبيل بقوله ادعو إلى الله إلى الذات الأحدية الموصوفة بجميع الصفات على بصيرة أنا ومن اتبعني فكل من يدعو إلى ذلك السبيل فهو من أتباعي.
قال في المثنوى :
اين نين فرمود آن شاه رسل
كه منم كشتى درين درياي كل
با كسى كودر بصيرتهاى من
شد خليفه راستي برجاي من
٣٣٠
كشتى نوحيم در درياكه نا
رو نكرداني زكشتى اي فتا
وكان الأنبياء قبله عليه السلام يدعون إلى المبدأ والمعاد وإلى الذات الواحدية الموصوفة ببعض الصفات الإلهية إلا إبراهيم عليه السلام فإنه قطب التوحيد ولذا أمر الله نبينا عليه السلام باتباعه بقوله : ثم أوحينا إليك إن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً}(النحل : ١٢٣) فهو من أتباع إبراهيم باعتبار الجمع دون التفصيل، إذ لا متمم لتفاصيل الصفات إلا هو ولذا لم يكن غيره خاتماً.
﴿وَسُبْحَـانَ اللَّهِ﴾ أنزهه عن اشتراك الغير، بل هو الداعي إلى ذاته.
وإما أنا من المشركين المثبتين للغير في مقام التوحيد.
قال بعضهم : الداعي إلى الله يدعو الخلق به والداعي إلى سبيله يدعوهم بنفسه ولذلك كثرت الإجابة إلى الثاني لمشاركته الطبع، ثم الاتباع شامل للاتباع على الظاهر كما هو حال العامة وللاتباع على الحقيقة كما هو حال الخاصة، ولا سبيل إلى الدعوة على بصيرة إلا بعد الاتباع قولاً وفعلاً وحالاً، وهو النتيجة من الاتباع على الظاهر حكي أن فقيهاً قصد إلى زيارة أبي مسلم المغربي فسمعه يلحن في القرآن فقال في نفسه : قد ضاع سعيي ثم سلط أسدين على الفقيه حين خرج للوضوء وقت التهجد فهرب وصاح ودفعهما أبو مسلم ثم قال للفقيه : إن كنت لحنت في القرآن فقد لحنت في الإيمان فنحن نسعى في تصحيح الباطن فيخاف منا المخلوق وأنتم تسعون في الظاهر فتخافون الخلق وحكي أن ابن الرشيد اختار البقاء على الفناء فعيره أبوه يوماً وقال لحقني العار منك بين الملوك فدعا طيراً فأجابه ثم قال لأبيه ادع أنت فدعاه فلم يجب فقال لحقني العاربين أولياء الله لأنك كنت أسير الدنيا، والبصيرة قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس يرى به صور الأشياء وظواهرها وهي التي يسميها الحكماء العاقلة النظرية، والقوة القدسية، وجميع قلوب بني آدم في الأصل مائلة للبصيرة بحسب الفطرة لكنها لاشتغالها بالذات والشهوات والإعراض عن الطاعات والعبادات أظلمت وبنور البصيرة والتوفيق آمنت بلقيس وسحرة فرعون ونحوهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٠
واعلم أن اتباع الرسول باب النجاة وطريق السعادة العظمى.
قال سهل : محب الله على الحقيقة يكون اقتداؤه في أحواله وأقواله وأفعاله بالنبي عليه السلام.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره سأل أمام إبراهيم اشا مني يوماً عن تأويلات السلمى لأجل الأذية فقلت له نخلي ذلك فإننا لسنا من أهله ولكن نفتح المثنوى بنيتك ففتحت فجاء.
رهو و راه طريقت اين بود
كاو باحكام شريعت ميرود
فتعجب المرحوم وترك الإنكار بعد ذلك على أولياء الله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٠
[الكهف : ٣٧]﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالا﴾ لأ ملائكة، فهو رد لقولهم لو شاء ربنا لا نزل ملائكة قالوا ذلك تعجباً وإنكاراً لنبوته فقال تعالى كيف يتعجبون من إرسالنا إياك والحال أن من قبلك من الرسل كانوا على مثل حالك لأن الاستفاضة منوطة بالجنسية، وبين البشر والملك مباينة من جهة اللطافة والكثافة ولو أرسل ملك لكان في صورة البشر كما قال تعالى : ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً}(الأنعام : ٩) وقس عليه الجن فلا يكون من الجن رسول إلى البشر، وفي عبارة الرجال دلالة على أن الله تعالى ما بعث رسولاً إلى الخلق من النسوان، لأن مبنى حالهن على التستر ومنتهى كمالهن هي الصديقية لا النبوة، فمنها آسية
٣٣١
ومريم وخديجة وفاطمة وعائشة رضي الله عنهن أجمعين.
قال الكاشفي :(ودر باب سجاح كاهنه كه دعوى نبوت مي كرده كفته اند)
أصحت نبيتنا أنثى نطوف بها
ولم تزل أنبياء الله ذكرانا


الصفحة التالية
Icon