قال ابن الشيخ : الظاهر أن كلمة ثم لمجرد العطف والترتيب مع قطع النظر عن معنى التراخي، لأن استيلاءه تعالى على التصرف فيما رفعه، ليس بمتراخ عن رفعه والتحقيق أن المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علواً كبيراً عما يقول الظالمون بل باعتبار أمره الإيجادي وتجليه الحبى الأحدى، وإنما كان العرش محلى هذه الاستواء لأن التجليات التي هي شروط التجليات المتعينة، والأحكام الظاهرة والأمور البارزة والشؤون المتحققة في السماء والأرض وفيما بينهما من عالم الكون والفساد بالأمر الإلهي والإيجاد الأزلي إنما تمت باستيفاء لوازمها واستكمال جوانبها واستجماع أركانها الأربعة المستوية في ظهور العرش بروحه وصورته وحركته الدورية، لأنه لا بد في استواء تجليات الحق في هذه العوالم بتجليه الحبى وأمره الايجادي من الأمور الأربعة التي هي من هذه التجليات الحبية والإيجادية الحسية هي حركة العرش وهي بمنزلة الحد الأكبر، ولما استوى أمر تمام حصول الأركان الأربعة الموقوف عليها بتوقيف الله التجليات الإيجادية الأمرية المتنزلة بين السموات السبع والأرضين السبع بحسب مقتضيات استعدادات أهل العصر، وموجبات قابليات أصحاب الزمان في كل يوم بل في كل آن، كما أشير إليه بقوله تعالى : يتنزل الأمر بينهن}(الطلاق : ١٢) وقوله :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ (الرحمن : ٢٩) في العرش كان العرش مستوى الحق بهذا الاعتبار، واستواء الأمر الإيجادي على العرش بمنزلة استواء الأمر التلكيفي الإرشادي على الشرع، وكل منهما مقلوب الآخر كذا في "الأبحاث البرقيات" لحضرة شيخنا الأجل قدس الله سره ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ ذللهما لما يراد منهما وهو انتفاع الخلق بهما كما قال في بحر العلوم معيني تسخيرهما نافعتين للناس حيث يعلمون عدد السنين والحساب بمسير الشمس والقمر، وينوران لهم في الليل والنهار ويدرآن الظلمات ويصلحان الأرض والأبدان والأشجار والنباتات.
كل منهما يجري لأجل مسمى اللام بمعنى إلى، أي إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا أو تمام، دوره وللشمس والقمر منازل كل منهما يغرب في كل ليلة في منزل ويطلع في منزل حتى ينتهي إلى أقصى المنازل.
يدبر الأمر يقضي ويدبر أمر ملكوته من الإعطاء والمنع والإحياء والإماتة ومغفرة الذنوب وتفريج الكروب ورفع قوم ووضع آخرين وغير ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
وفي التأويلات يدبر الأمر أمر العالم وحده وهو يدل على أن الاستواء أي العلو على العرش بالقدرة لتدبير المكونات لا للتشبيه.
يفصل الآيات يبين البراهين الدالة على التوحيد والبعث
٣٣٦
وكمال القدرة والحكمة لعلكم (شايدكه شما) بلقاء ربكم (بديدار روردكار خود يعني بديدن جزاكه خواهد دادسر قيامت).
توقنون (بي كمان كرديد ودانيدكه هركه قادرست بر آفريدن اين اشيا قدرت دارد براعاده واحيا).
قال في بحر العلوم لعل مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ معناها ومعنى الترجى أي يفصل الآيات إرادة أن تتأملوا فيها وتنظروا فتستدلوا بها عليه ووحدته وقدرته وحكمته وتتيقنوا أن من قدر على خلق السموات والعرش وتسخير الشمس والقمر مع عظمها وتدبير الأمور كلها كان على خلق الإنسان مع مهانته وعلى إعادته وجزائه أقدر.
واعلم أنه كان ما كان من إيجاد عالم الإمكان ليحصل للناس المشاهدة والاطمئنان والإيقان.
قال المولى الجامي :
سير آب كن زبحر يقين جان تشنه را
زين يش خشك لب منشين برسر آب ريب
وعن سيدنا علي رضي الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً وذلك أن أهل المكاشفة وصلوا من علم اليقين إلى عين اليقين الذي يحصل لأهل الحجاب يوم القيامة فلو ارتفع الغطاء وهو دار الدنيا وظهرت الآخرة ما ازدادوا يقيناً بل كانوا على ما كانوا عليه في الدنيا بخلاف أهل الحجاب فإن علمهم إنما يكون عين اليقين يوم القيامة، ويدل عليه قوله عليه السلام : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا أي : ماتوا موتاً اختيارياً أو اضطرارياً حصل لهم اليقظة.
فعلى العاقل تحصيل اليقين والنظر بالعبرة في آيات العالمين.
قال الفقيه : لا غنية للمؤمين عن ست خصال.
أولاها علم يدله على الآخرة والثانية رفيق يعينه على طاعة الله ويمنعه عن معصية الله.
والثالثة معرفة عدوه والحذر منه.
والرابعة عبرة يعتبر بها في آيات الله وفي اختلاف الليل والنهار.
والخامسة إنصاف الخلق لكيلا يكون له يوم القيامة خصماء.
والسادسة الاستعداد للموت ولقاء الرب قبل نزوله كيلاً يكون مفتضحاً يوم القيامة.
وهو الذي (اوست آن قادر مطلق كه) مدّ الأرض بسطها طولاً وعرضاً ووسعها لتثبت عليها لأقدام ويتقلب الحيوان أي أنشأها ممدودة لا أنها كانت مجموعة في مكان فبسطها، وكونها بسيطة لا ينافي كريتها لأن جميع الأرض جسم عظيم والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها يشاهد كالسطح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥


الصفحة التالية
Icon