وفي تفسير أبي الليث بسطها من تحت الكعبة على الماء وكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة بأهلها فأرساها بالجبال الثقال.
وفي بعض الآثار : إن الله تعالى قبل أن يخلق السموات والأرض أرسل على الماء، ريحاً هفافة فصفقت الريح الماء أي ضرب بعضه بعضاً فأبرز منه خشفة بالخاء المعجة وهي حجارة يبست بالأرض في موضع البيت كأنها قبة وبسط الحق سبحانه من ذلك الموضع جميع الأرض طولها والعرض فهي أصل الأرض وسرتها في الكعبة وسط الأرض المسكونة وأما وسط الأرض كلها عامرها وخرابها فهي قبة الأرض وهو مكان تعتدل فيه الأزمان في الحر والبرد ويستوي الليل والنهار فيه أبداً لا يزيد أحدهما على الآخر ولا ينقص واصل طينة رسول الله من سرة الأرض بمكة ولما تموج الماء رمى بتلك الطينة إلى محل مدفنه بالمدينة فلذلك دفن عليه السلام فيها.
قال بعضهم : الأرض مضجعنا وكانت أمنا فيها معايشنا وفيها نقبر.
وجعل فيها رواسي من رسا الشي إذا ثبت جمع راسية والتاء للمبالغة كما في علاَّمة لا للتأنيث ؛ إذ لا يقال جبل راسية.
والمعنى وجعل فيها
٣٣٧
جبالاً ثابتة أوتاداً للأرض لئلا تضطرب فتستقر ويستقر عليها وكان اضطرابها من عظمة الله تعالى قال ابن عباس رضي الله عنهما كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض.
قال في القاموس : أبو قبيس جبل بمكة سمى برجل حداد من مذحج كمجلس لأنه أول من بني فيه وكان يسمى الأمين لأن الركن كان مستودعاً فيه.
قال في إنسان العيون : وكان أول جبل وضع عليها أبا قبيس وحينئذٍ كان ينبغي أن يسمى أبا الجبال وأن يكون أفضلها مع أن أفضلها كما قال السيوطي أحد لقوله عليه السلام : أحد يحبنا ونحبه وهو بضمتين جبل بالمدينة.
ذكر أهل الحكمة أن مجموع ما عرف في الأقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبعون جبلاً منها ما طوله عشرون فرسخاً، ومنها مائة فرسخ إلى ألف فرسخ ويقال ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلاً سوى التلول، وليس فيها جبل إلا وله عروق من جبل قاف، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل الأرض أوحى إلى جبل قاف، فيحرك ذلك العرق من الجبل فتزلزل.
وفي المثنوى :
رفت ذو القرنين سوى كوه قاف
ديدكه را كز زمرد بود صاف
كرد عالم حلقه كشته أو محيط
ماند حيران اندران خلق بسيط
كفت تو كوهى دكرها يستند
كه به يش عظم توباز ايستند
كفت تو كوهوى دكرها يستند
كه به يش عظم توباز ايستند
كفت ركهاى منند آن كوهها
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
مثل من نبود در حسن وبها
من بهر شهري ركى دارم نهان
بر عروقم بسته أطراف جهان
حق و خواهد زلزله شهري مرا
كويد او من برجهانم عرق را
س بجنانم من آن رك را بقهر
كه بدان رك متصل كشتست شهر
ون بكويد بس شود ساكن ركم
ساكتم وز روى فعل اندرتكم
همو مرهم ساكن وبس كاركن
ون خرد ساكن و زوجنبان سخن
نزد انكس كه نداند عقلش اين
زلزله هست از يخارات زمين
وأنهاراً جارية ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلاً واحداً من حيث إن الجبال أسباب لتولدها وذلك أن الحجر جسم صلب، فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك فلا تزال تتزاحم وتتضاعف حتى تحصل بسبب الجبل مياه عظيمة ثم إنها لكثرتها وقوتها تنقب الجبل وتخرج وتسيل على وجه الأرض، وفي الملكوت إن الله يرسل على الأرض الثلوج والأمطار فتشربها الأرض حتى يعدلها في طبعها ومشربها فتصير عيوناً في عروق الأرض ثم تنشق الأرض عنها في المكان الذي يؤمر بالانشقاق فيه فتظهر على وجه الأرض منفعة للخلائق والملك الموكل بذلك ميكائيل وأعوانه.
ومن الأنهار العظيمة : الفرات وهو نهر الكوفة، ودجلة وهو نهر بغداد، وسيحان بفتح السين المهملة نهر المصيصة، وسيحون وهو نهر بالهند، وجيحان بفتح الجيم نهر أذنه في بلاد الأرمن، وجيحون وهو نهر بلخ والنيل وهو نهر مصر.
يقال : أن واحداً من الملوك جمع قوماً وهيأ لهم السفن ومكنهم من زاد سنة وأمرهم أن يسيروا في النيل حتى يقفوا على آخره فخرجوا ستة أشهر ولم يصلوا إلى آخره إلا أنهم رأوا هناك قبة فيها خلق على صورة الآدميين، خضر الأبدان فاصطادوا منه ليحملوه فلم يزل يضطرب
٣٣٨
عليهم حتى مات فعالجوه واحتملوه واتملوه ليراه الناس.
وفي الواقعات المحمودية أن ذا القرنين طلب رأس النيل فلم يجد وحكى أنهم وصلوا إلى جبل فكل من نظر وراءه لم يأت، فربطوا في وسط شخص حبلاً فبعد أن نظر جذبوه وسألوا منه فلم ينطق حتى مات.
قال بعضهم : لولا دخول بحر النيل في الملح الذي يقال له البحر الأخضر قبل أن يصل إلى بحيرة الزنج ويختلط بملوحته لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته، ولذا يقال : إن النيل نهر العسل في الجنة ومن الأنهار نهر أرس كما قال الشاعر :
ارس را در بيابان جوش باشد
بدريا ون رسد خاموش باشد