﴿إِنَّ فِي ذَالِكَ﴾ المذكور لآيات لدلالات واضحة لقوم يعقلون يعملون على قضية عقولهم وأن من قدر على خلق الثمار المختلفة الأشكال والألوان والطعوم والروائح من الأرض والماء ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على إحياء الأرض بالماء وجعلها قطعاً متجاورات وحدائق ذات بهجة قدر على إعادة ما ابدأه بل هذا ادخل في القدرة من ذلك وأهون في القياس.
والإشارة في أرض الإنسانية قطع من النفس والقلب والروح والسر والخفي متقاربات بقرب الجوار مختلفات في الحقائق فمنها حيوانية، ومنها ملكوتية ومنها روحانية ومنها جبروتية ومنها عظموتية، وبالجنات يشير إلى هذه الأعيان المستعدة لقبول الفيض عند قبولها وتثميرها من أعناب وهي ثمرة النفس، فمن الصفات ما تدل على الغفلة والحماقة والسهو واللهو فإنها أصل السكر، وزرع وهو ثمرة القلب فإن القلب بمثابة الأرض الطيبة القابلة للزرع من بذر الصفات الروحانية والنفسانية، فبأي بذر صفة من الصفات ازدرعت يتجوهر القلب بجوهر تلك الصفة فتارة يصير بظلمات النفس ظلمانياً، وتارة يصير بنور الروح نورانياً، وتارة يصير بنور الرب ربانياً كما قال : وأشرقت الأرض بنور ربها}(الزمر : ٦٩) [الرعد : ٤-١٠]﴿وَنَخِيلٌ﴾ وهو الروح ذو فنون من الأخلاق الحميدة الروحانية كالكرم والجود والسخاء والشجاعة والقناعة والحلم والحياء والتواضع والشفقة صنوان وهو السر الجبروتي وبه يكشف أسرار الجبروت التي بين الرب والعبد ولها مثل ومثال ويحكى عنها.
وغير صنوان وهو الخفي المكاشف بحقائق العظموت التي لا مثل لها ولا مثال ولا يحكى عنها، كما قال : فأوحى إلى عبده ما أوحى}(النجم : ١٠) وكما قيل :
بين المحبين سر ليس يفشيه
﴿يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ﴾ وهو ماء القدرة والحكمة ونفضل بعضها على بعض في الأكل في الثمرات والنتائج فبعضها أشرف من بعضها، وإن كان لكل واحدة منها شرف في موضعه لاحتياج الإنسان في أثناء السلوك.
إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون الذين يلتمسون من القرآن أسراراً وآيات تدلهم على السير إلى الله وتهديهم إلى الصراط المستقيم إليه كما في التأويلات النجمية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٠
﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ أي إن يقع منك عجب وتعجبت من شيء يا محمد أو أيها السامع فعجب قولهم خبر ومبتدأ أي فليكن ذلك العجب من قول المشركين.
ءاذا كنا تراباً (آيا آن وقت كه ما باشيم خاك يعني بعد ازمرك كه ما خاك باشيم) والجملة الاستفهامية
٣٤٢
منصوبة المحل على أنها محكية بالقول، وإذا ظرف محض ليس فيها معنى الشرط والعامل محذوف دل عليه قوله أئنا (أياماً) لفي خلق جديد (باشيم در آفرينش نو) والتقدير إذا كنا تراباً أنبعث ونخلق لا كنا لأنه مضاف إليه فلا يعمل ولا خلق جديد لأن ما بعد أداة الاستفهام وكذا أن لا يعمل فيما قبله.
وقال بعضهم : وإن تعجب من إنكار المشركين البعث وعبادتهم الأصنام بعد اعترافهم بالقدرة على ابتداء الخلق فحقيق بأن تتعجب منه أي فقد وضعت التعجب في موضعه لكونه جديراً لأن يتعجب منه فإن من قدر على إبداء هذه المخلوقات قدر على إعادتها.
آنكه يدا ساختن كارش بود
زندكى دادن ه دشوراش بود
والتعجب حالة انفعالية تعرض للنفس عند إدراك ما لا يعرف سببه فهو مستحيل في حق الله تعالى فكان المراد إن تعجب فعجب عندك.
قال في التأويلات النجمية وإن تعجب أي تعلم إنك يا محمد لا تعجب شيئاً لأنك ترى الأشياء منا ومن قدرتنا وإنك تعلم أني على كل شيء قدير ولكن إن تعجب على عادة أهل الطبيعة إذا رأوا شيئاً غير معتاد لهم أو شيئاً ينافي نظر عقولهم فعجب قولهم أي فتعجب من قولهم ءاذا كنا تراباً أي صرنا تراباً بعد الموت ائنا لفي خلق جديد أي : بعود تراب أجسادنا أجساداً كما كان وتعود إليها أرواحنا فنحيي مرة أخرى.
معنى الآية أنهم يتعجبون من قدرة الله لأن الله هو الذي خلقهم من لا شيء في البداية، إذ لم تكن الأرواح والأجساد ولا التراب فالآن أهون عليه أن يخلقهم من شيء وهو التراب والأرواح ولكن العجب تعجبهم بعد أن رأوا أن الله خلقهم من لا شيء من أن يخلقهم مرة أخرى من شيء.
أولئك (آن كروه كه منكرينند) الذين كفروا بربهم لأنهم كفروا بقدرته على البعث.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٢
وفي التأويلات كفروا بربهم أنه خلقهم من لا شيء إذ أنكروا أنه لا يخلقهم من شيء وأولئك الأغلال في أعناقهم (وآن كر وهندكه غلها دركردنهاى ايشانست) أي مقيدون بالكفر والضلال لا يرجى خلاصهم، يقال للرجل هذا غل في عنقك للعمل الرديء، ومعناه إنه لازم لك لا يرجى خلاصك منه، والغل طوق يقيد به اليد إلى العنق.


الصفحة التالية
Icon