وفي التأويلات هي أغلال الشقاوة التي جعلها القدير الأزلي في أعناقهم كما قال : وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه}(الإسراء : ١٣) ويجوز أن يكون على حقيقته أي يغلون يوم القيامة (يعني روز قيامت غل آتشين بركردن ايشان نهند وعلامت كفار در دوزخ اين باشد) وفي الحديث "ينشيء الله سحابة سوداء مظلمة فيقال يا أهل النار أيُّ شيء تطلبون فيذكرون بها سحابة الدنيا فيقولون يا ربنا الشراب فتمطرهم أغلالاً تزيد في أغلالهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمراً يلتهب عليهم" ﴿وَأُوالَـائِكَ أَصْحَـابُ النَّارِا هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ﴾ توسيط ضمير الفصل وتقديم فيها يفيد الحصر أي هم الموصوفون بالخلود في النار لا غيرهم وأن خلودهم إنما هو في النار لا في غيرها فثبت أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار.
وفي التأويلات هم الذين قال الله تعالى فيهم في الأزل وهؤلاء في النار ولا أبالي فآل أمرهم إلى أن يكونوا أصحاب النار إلى الأبد، فالشرك والإنكار من أعظم المعاصي والأوزار وعن النبي عليه السلام مخبراً عن الله تعالى أنه
٣٤٣
قال : عبدي ما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك، ولو استقبلتني بملىء الأرض خطايا وذنوباً لأستقبلتك بملئها مغفرة واغفر لك ولا أبالي أي إن لم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك من نفي جميع الإشراك، لأن النكرة إذا وقعت في سياق النفي تفيد العموم، وهذا لا يحصل إلابعد إصلاح النفس فالمرء أسير في يد نفسه، والهوى كالغل في عنقه، وهذا الغل الملازم له في دنياه معنوي وسيصير إلى الحس يوم القيامة، إذ الباطن يصير هناك ظاهراً كما حكي عن بعض العصاة أنه مات فلما حفروا قبره وجدوا فيه حية عظيمة، فحفروا له قبراً آخر فوجدوها فيه، ثم كذلك قبراً بعد قبر إلى أن حفروا نحواً من ثلاثين قبراً وفي كل قبر يجدونها فلما رأوا أنه لا يهرب من الله هارب ولا يغلب الله غالب دفنوه معها، وهذه الحية هي عمله، قال السعدي قدس سره :
برادر زكار بدان شرم دار
كه دروري نيكان شوى شرمسار
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٢
ترا خود بماند سراز ننك يش
كه كرت بر آيد عملهاى خويش
ويستعجلونك الاستعجال طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته، أي يطلب مشركوا مكة منك العجلة بالسيئة بإتيان العقوبة المهلكة وسميت العقوبة سيئة لأنها تسؤوهم قبل الحسنة متعلق بالاستعجال ظرف له، أو بمحذوف على أنه حال مقدرة من السيئة أي قبل العافية والإحسان إليهم بالإمهال، ومعنى قبل العافية قبل انقضاء الزمان المقدر لعافيهم وذلك أنه عليه السلام كان يهدد مشركي مكة تارة بعذاب القيامة، وتارة بعذاب الدنيا، وكلما هددهم بعذاب القيامة أنكروا القيامة والبعث وكلما هددهم بعذاب الدنيا استعجلوه، وقالوا متى تجيئنا به؟ فيطلبون العقوبة والعذاب والشر بدل العافية والرحمة والخير، استهزاء منهم وإظهاراً أن الذي يقوله لا أصل له ولذا قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}(الأنفال : ٣٢) والله تعالى صرف عن هذه الأمة عقوبة الاستئصال، وأخر تعذيب المكذبين إلى يوم القيامة فذلك التأخير هو الحسنة في حقهم فهؤلاء طلبوا منه عليه السلام نزول ملك العقوبة ولم يرضوا بما هو حسنة في حقهم.
واعلم : أن استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة استعجالهم بالكفر والمعاصي قبل الإيمان والطاعات فإن منشأ كل سعادة ورحمة هو الإيمان الكامل والعمل الصالح، ومنشأ كل شقاوة وعذاب هو الكفر والشرك والعمل الفاسد.
﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ حال من المستعجلين : أي مضت من قبلهم المثلات أي عقوبات أمثالهم من المكذبين كالخسف والمسخ والرجفة، فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزئوا.
نرود مرغ سوى دانه فراز
ون دكر مرغ بيند اندر بند
ند كير از مصائب دكران
تا نكيرند دكيران زتو ند
جمع مثلة بفتح الثاء وضمها وهي العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه وهو الجريمة.
وفي التبيان أي العقوبات المهلكات يماثل بعضها بعضاً وإن ربك لذو مغفرة ستر وتجاوز للناس على ظلمهم أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب وإلا لما ترك على ظهر الأرض من دابة
س رده بيند عملهاي بد
هم او رده وشد بآلاى خود
٣٤٤
وكر برجفا يشه بشتافتى
هميشه زقهرش امان يافتى
وهو حال من الناس، أي : حال اشتغالهم بالظلم كما يقال رأيت فلاناً على أكله والمراد حال اشتغاله بالأكل.
فدلت الآية على جواز العقوبة بدون التوبة في حق أهل الكبيرة من الموحدين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٢
قال في التأويلات النجمية : هم الذين قال تعالى فيهم هؤلاء في الجنة ولا أبالي وإن ربك لشديد العقاب لمن شاء من العصاة.
وفي التأويلات لمن قال فيهم هؤلاء في النار ولا أبالي روى إنها لما نزلت قال رسول الله لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد وبالفارسية.
(اكر عفو خداي نبود عيش هي احدى كوارنده نشدى واكر وعيد حق نبودي همه كس تكيه برعفو كرده از عمل بازماندى


الصفحة التالية
Icon