سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به من مبتدأ خبره سواء ؛ ومنكم حال من ضمير سواء لأنه بمعنى مستو، ولم يثن الخبر مع إنه خبر عن شيئين، لأنه في الأصل مصدر وإن كان هنا بمعنى مستو، والاستواء يقتضي شيئين وهما الشخصان المرادان بمن.
والمعنى مستو في علم الله تعالى من أضمر القول في نفسه ومن أظههر بلسانه منكم أيها الناس.
ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار الاستخفاء (نهان شدن) والسروب (برفن بروز) كما في تهذيب المصادر.
والسرب بفتح السين وسكون الراء الطريق كما في القاموس وسارب معطوف على من فيتحقق شيآن ومن موصوفة كأنه قيل سواء منكم إنسان هو مستتر ومتوار في الظلمات وآخر ظاهر في الطرقات كما قال في بحر العلوم.
وسارب أي ذاهب في سربه بارز بالنهار يراه كل واحد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٨
وقال الكاشفي :(وهركه طلب خفاء ميكند ومى وسد عمل خودرا بشب وهركه ظهرست وآشكارا ميكند عمل خودرا بروز يعني مطلقاً هي يز از قول وفعل سر وعلانيه برو وشيده نيست).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٨
﴿لَهُ﴾ أي الله تعالى، أو للإنسان الموصوف بما ذكر معقبات من بين يديه ومن خلفه جمع معقبة والتاء للمبالغة كما في علامة لا للتأنيث، فإن الملك لا يوصف بالذكورة ولا بالأنوثة وصيغة التفعيل للمبالغة والتكثير، كما في قولك طوف البيت لا للتعدية.
والتعقيب (در عقب كسى بيامدن) كما في التهذيب يقال عقبه تعقيباً جاء بعقبه.
والمعقبات ملائكة الليل والنهار كما في القاموس.
وقيل للملائكة الحفظة معقبات لكثرة تعاقب بعضهم بعضاً في النزول إلى الأرض بعضهم بالليل
٣٤٩
وبعضهم بالنهار إذا مضى فريق، خلفه فريق أي يعقب ملائكة الليل ملائكة النهار وملائكة النهار ملائكة الليل ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر، والمعنى له ملائكة يتعاقب بعضهم بعضاً كائنون من أمام الإنسان ووراء ظهره أي يحيطون به من جوانبه.
يحفظونه من أمر الله من بأسه ونقمته إذا أذنب بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب من ذنبه وينيب أو يحفظونه من المضار التي أمر الله بالحفظ منها.
قال مجاهد : ما من عبد إلا له ملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما يأتيه منهم شيء يريده إلا قال وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه وروي عن عمرو بن أبي جندب قال : كنا جلوساً عند سعيد بن قيس بصفين فأقبل علي رضي الله عنه يتوكأ على عنزة له بعد ما اختلط الظلام فقال سعيد أأمير المؤمنين؟ قال : نعم قال : أما تخاف أن يغتالك أحد قال إنه ليس من أحد إلا ومعه من الله حفظة من أن يتردى في بئر أو يخر من جبل أو يصيبه حجر أو تصيبه دابة فإذ جاء القدر خلوا بينه وبين القدر.
قال في أسئلة الحكم اختلف العلماء في عدد الملائكة التي وكلت على كل إنسان، فقيل : عشرون ملكاً، وقيل أكثر والأول أصح لأن عثمان رضيعنه سأل رسول الله عن ذلك فذكر عشرين ملكاً وقال : ملك عن يمينك على حسناتك وهو أمير على الملك الذي عن يسارك كما.
قال تعالى : عن اليمين وعن الشمال قعيد}(ق : ١٧) وملكان بين يديك ومن خلفك لقوله تعالى :﴿لَه مُعَقِّبَـاتٌ مِّنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ يحفظونه من أمر الله وملك قائم على ناصيته إذا تواضعرفعه وإذا تجبر على الله قصمه وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة على النبي عليه السلام وملك على فيك لا يدع الحية تدخل فيك وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي فتنزل ملائكة الليل على ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي وإبليس بالنهار وأولاده بالليل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال بعض الأئمة : إن قلت الملائكة التي ترفع عمل العبد في اليوم هم الذين يأتون أم غيرهم؟ قلت : الظاهر أنهم هم وأن ملكي الإنسان لا يتغيران عليه ما دام حياً، فإذا مات قالا يا رب قد قبضت عبدك فإلى أين نذهب قال تعالى : سمائي مملوءة من ملائكتي وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي فسبحاني وحمداني وهللاني وكبراني ومجداني وعظماني واكتبا ذلك كله لعبدي إلى يوم القيامة وقيل المعقبات أعوان السلطان فهو توبيخ الغافل المتمادي في غروره والتهكم به على اتخاذه الحراس بناء على توهم أنهم يحفظونه من أمر الله وقضائه كما يشاهد من بعض الملوك والسلاطين.
والعاقل يعلم أن القضايا الإلهية والنوازل المقدرة مما لا يمكن التحفظ منه فانظروا رأيهم وما ذهبوا إليه.
از كمان قضا وتير قدر
بدر آمد نشد مفيد سر
ويقال للمؤمن طاعات وصدقات يحفظونه من عذاب الله عند الموت وفي القبر وفي القيامة.


الصفحة التالية
Icon