وفيه إشارة إلى أن في باطن جمال الله تعالى جلالاً وفي باطن جلاله جمالاً وأسند الإراءة إلى ذاته لأنه الخالق في الأبصار نوراً يحصل به الرؤية للخلائق، وهذه الإراءة إما متعلقة بعالم الملك وهي ظاهرة وإما متعلقة بعالم الملكوت، فمعناها أن الله تعالى إذا أرى السائر برقا من لمعان أنوار الجلال يغلب عليه خوف الانقطاع واليأس، وإذا أراه برقاً من تلألؤ أنوار الجمال يغلب عليه الرجاء والاستثناء وينشى السحاب أي : يبتدىء إنشاء السحاب، أي : خلقه وفيه دلالة على أن السحاب يعدمه الله تعالى ثم يخلقه جديداً والسحاب اسم جنس والواحدة سحابة، ولذا وصف بقوله : الثقال بالماء جمع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٩
واختلف في أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب، أو يخلقه الله في السحاب فيمطر.
وفي حواشي ابن الشيخ : السحاب جسم مركب من أجزاء رطبة مائية ومن أجزاء هوائية وهذه الأجزاء المائية المشوبة بالأجزاء الهوائية إنما حدثت وتكونت في جو الهواء بقدرة المحدث القادر على ما شاء، والقول بأن تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض فلما وصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت فرجعت إلى الأرض باطل ؛ لأن الأمطار مختلفة فتارة تكون قطراتها كبيرة، وتارة تكون صغيرة، وتارة متقاربة، وتارة متباعدة، وتارة تدوم زماناً طويلاً، وتارة لا تدوم فاختلاف الأمطار في هذه الصفات مع أن طبيعة الأرض واحدة، وكذا طبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة لا بد أن يكون بتخصيص الفاعل المختار.
وأيضاً فالتجربة دلت على أن للدعاء والتضرع في نزول الغيث أثراً عظيماً ولذلك كان صلاة الاستسقاء مشروعة فعلمنا أن المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة والخاصية.
يقول الفقير : إن المردود هو إسناد الحوادث إلى الكون من غير ملاحظة تأثير الله تعالى فيها وأما إذا أسندت إلى الأسباب مع ملاحظة المسبب فهو مقبول، لأن هذا العالم عالم الأسباب والحكمة، وما هو أدخل في القدرة الإلهية فهو أولى بالاعتبار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ﴾ اختلف العلماء فيه والتحقيق أنه اسم ملك خلق من نور الهيبة الجلالية والرعد صوته الشديد أيضاً يسوق السحاب بصوته كما يسوق الحادي الإبل بحدائه، فإذا سبح أوقع الهيبة على الخلق كلهم حتى الملائكة.
يقول الفقير : لعل الرعد صوت ذلك الملك وإسناد التسبيح إلى صوته لكمال فيه بحمده في موقع الحال أي حامدين له وملتبسين
٣٥٢
بحمده (يعني تسبيح را باتحميد مقترن ميسازد) فيصيح سبحان الله والحمد، وفي الحديث : البرق والرعد وعيد لأهل الأرض فإذا رأيتموه فكفوا عن الحديث وعليكم بالاستغفار وإذا اشتد الرعد قال عليه السلام : لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك والملائكة من خيفته من عطف العام على الخاص أي ويسبح الملائكة من خوف الله وخشيته وهيبته وجلاله وذلك لأنه إذا سبح الرعد وتسبيحه ما يسمع من صوته لم يبق ملك إلا رفع صوته بالتسبيح، فينزل القطر والملائكة خائفون من الله وليس خوفهم كخوف ابن آدم فإنه لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره ولا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء أصلاً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما من سمع الرعد فقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فأصابته صاعقة فعليّ ديته ويرسل الصواعق جمع صاعقة، هي نار لا دخان لها تسقط من السماء، وتتولد في السحاب، وهي أقوى نيران هذا العالم، فإنها إذا نزلت من السحاب فربما غاصت في البحر وأحرقت الحيتات تحت البحر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود سألت النبي عليه السلام عن الرعد ما هو؟ فقال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله قالوا فما الصوت الذي يسمع قال زجره السحاب فإذا شدت سحابة ضمها، وإذا اشتد غضبه طارت من فيه نار هي الصاعقة والمخاريق جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً والمراد به ههنا آلة يسوق بها الملك السحاب فيصيب بها الباء للتعدية.
والمعنى بالفارسية (س ميرساند آنرا) من يشاء أصابته فيهلكه والصاعقة تصيب المسلم وغيره ولا تصيب الذاكر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٢
يقول الفقير : لعل وجهه أن الصاعقة عذاب عاجل ولا يصيب إلا الغافل وأما الذاكر فهو مع الله ورحمته، وبين الغضب والرحمة تباعد، وقولهم تصيب المسلم بشير إلى أن المصاب بالصاعقة على حاله من الإيمان والإسلام ولا أثر لها فيه كما في اعتقاد بعض العوام وهم أي هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الدلائل.
يجادلون في الله حيث يكذبون رسوله فيما يصفه به من العظمة والتوحيد والقدرة التامة، والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل.
وهو شديد المحال أي شديد المكر والكيد لأعدائه يهلكهم من حيث لا يحتسبون من محل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان، ومنه تمحل لكذا إذا تكلف في استعمال الحيلة واجتهد فيه.