قال في أسباب النزول إن رسول الله عليه السلام بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب قال : فاذهب فادعه لي فقال يا رسول الله إنه أعتى من ذلك قال : فاذهب فادعه لي قال فذهبت إليه فقلت يدعوك رسول الله، فقال : وما الله أمن ذهب هو أمن فضة أو من نحاس؟ قال الراوي وهو أنس فرجع إلى رسول فأخبره وقال قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك قال لي كذا وكذا قال : فارجع إليه الثانية فادعه فرجع إليه فأعاد عليه مثل الكلام الأول ورجع إلى النبي عليه السلام فأخبره فقال : ارجع إليه فرجع إليه الثالثة فأعاد عليه مثل ذلك الكلام فبينما هو يكلمه ؛ إذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت فوقع منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله تعالى : ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه
٣٥٣
الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وهو أخو لبيد بن ربيعة الشاعر لأمه وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال : دعه فإن يرد الله به خيراً يهده فأقبل حتى قام عليه قال : يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال تجعل لي الأمر بعدك قال : لا ليس ذلك إليّ إنما ذاك إلى الله تعالى يجعله حيث شاء قال أسلم على أن لك المدر ولي الوبر، يعني : لك ولاية القرى ولي ولاية البوادي قال : لا قال فماذا تجعل لي قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها قال أو ليس ذلك إليّ اليوم وكان أوصى إلى أربد إذا رأيتني أكلمه قدر من خلفه فاضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله ويراجعه فدار أربد خلفه عليه السلام ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله فلم يقدر على سله وجعل عامر يومي إليه فالتفت رسول الله فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال : اللهم اكفنيهما بما شئت فارسل الله على أربد صاعقة في يوم صائف صاحي فأحرقته، وولى عامر هارباً فقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأن عليك الأرض رجالاً ألفاً أشعر وألفاً أمرد فقال عليه السلام : يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يريد الأوس والخرزج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم إليه سلاحه وخرج، وهو يقول : واللات لئن اصحر محمد إليّ وصاحبه، يعني : ملك الموت لأنفذنهما برمحى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٢
صعوه كاو باعقاب سازد جنك
دهد ازخون خود رش رارنك
فلما رأى الله ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحه فاذراه بالتراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت عظيمة فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ثم مات على ظهر فرسه فأنزل الله تعالى في هذه القصة قوله : سواء منكم من أسر القول ومن جهر به حتى بلغ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال قالوا في قوله وهم يجادلون في الله على هذا للحال أي يصيب بالصاعقة من يشاء في حال جداله في الله، فإن أربد وكذا فرعون العرب في الرواية الأولى لما جادل في الله أحرقته الصاعقة، وقوله : غدة كغدة البعير أي أصابتني غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، وسلول قبيلة من العرب أقلهم وأرذلهم قال قائل في حقهم.
إلى الله أشكو أنني بت طاهراً
فجاء سلولي فبال على نعلي
فقلت اقطعوها بارك الله فيكمو
فإني كريم غير مدخلها رجلي
كأن عامراً يقول ابتليت بأمرين كل واحد منهما شر من الآخر، أحدهما : أن غدتي غدة مثل غدة البعير وأن موتي موت في بيت أرذل الخلائق، والغدة الطاعون للإبل وقلما يسلم منه يقال أغد البعير، أي صار ذا غدة وهي طاعونة.
وفي الآية : إشارة إلى أن أهل الجدال في ذات الله وفي صفاته مثل الفلاسفة والحكماء اليونانية الذين لم يتابعوا الأنبياء وما آمنوا بهم وتابعوا العقل دون أدلة السمع.
وبعض المتكلمين من أهل الأهواء والبدع هم الذين أصابهم صواعق القهر، واحترقت استعداداتهم في قبول الإيمان فظلوا يجادلون في الله هل هو فاعل مختار أو موجب بالذات لا بالاختيار، ويجادلون في صفات الله هل لذاته صفات قائمة به، أو هو قادر بالذات ولا صفات له ومثل هذه الشبهات المكفرة المضلة عن سبيل الرشاد والله تعالى شديد العقوبة والأخذ لمن جادل فيه
٣٥٤
بالباطل، كذا في التأويلات النجمية.
له (مرخدايراست) وتقديم الخبر لإفادة التخصيص.
دعوة الحق أي : الدعاء الحق على أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى الصفة والدعوة بمعنى العبادة والحق بمعنى الحقيق اللائق الغير الباطل.
والمعنى أن الدعوة التي هي التضرع والعبادة قسمان ما يكون حقاً وصواباً وما يكون باطلاً وخطأ، فالتي تكون حقاً منها مختصة به تعالى لا يشاركه فيها غيره أو له الدعوة المجابة على أن يكون الحق بمعنى الثابت الغير الضائع الباطل، فإنه الذي يجيب لمن دعاه دون غيره.
قال في المدارك المعنى أن الله يدعى فيستجيب الدعوة.
ويعطي السائل الداعي سؤاله فكانت دعوة ملابسة لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء بخلاف ما لا ينفع دعاؤه.


الصفحة التالية
Icon