وظلالهم على حذف الفعل، أي : ويسجد ظلال أهل السموات والأرض بالعرض أي تبعاً لذي الظل ويجوز أن يراد بالسجود معناه المجازي وهو انقيادهم لإحداث ما أراده الله فيهم شاؤوا أو كرهوا، وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص ونقلها من جانب إلى جانب فالكل مذلل ومسخر تحت الأحكام والتقدير بالغدو والآصال الغدو جمع غداة وهي البكرة والآصال جمع أصيل وهو العشي من حين زوال الشمس إلى غيبوبتها كما في بحر العلوم.
وقال في الكواشي وغيره : الأصيل ما بين العصر وغروب الشمس والباء بمعنى في ظرف ليسجد أي يسجد في هذين الوقتين والمراد بهما الدوام ؛ لأن السجود سواء أريد به حقيقته أو الانقياد والاستسلام لا اختصاص له بالوقتين، وتخصيصهما مع أن انقياد الظلال وميلانها من جانب إلى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاعها لا يختص بوقت دون وقت بل هي مستسلمة منقادةتعالى في عموم الأوقات لأن الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٦
قال في التأويلات النجمية وظلالهم أي نفوسهم فإن النفوس ظلال الأرواح وليس السجود بالطوع من شأن النفوس، لأن النفس
٣٥٦
أمارة بالسوء طبعاً إلا ما رحم الرب تعالى لتسجد طوعاً والإكراه على السجود بتبعية الأرواح وأيضاً ولله يسجد من في السموات أي سموات القلوب من صفت القلوب والأرواح والعقول طوعاً والأرض أي ومن في أرض النفوس من صفات النفس والحيوانية والسبعية والشيطانية كرهاً لأنه ليس من طبعهم السجود والانقياد اه.
قال بعض الكبار : من أسرار هذا العالم أنه ما من حادث إلا وله ظل يسجدتعالى سواء كان ذلك الحادث مطيعاً أو عاصياً فإن كان من أهل الموافقة فهو ساجد مع ظلاله وإن كان من أهل المخالفة فالظل نائب منابه في الطاعة (وحقيقت آنست كه طوع ورغبت صفت آنهاست كه لطف ازل نهال ايمان درز مين دل ايشان نشانده ونفرت وكراهيت خاصيت آنانكه قهر لم يزل تخم خذلان در مزرعه نفس نافرمان ايشان فشانده)
برآن زخمى زندكين بي نيازيست
برين مرهم نهديكن دلنوازيست
قال الكاشفي :(اين سجده دوم است از سجدات قرآني وحضرت شيخ رضي الله عنه در سفر سابع ازفتوحات كه ذكر سجده قرآني ميكند اين را سجود الظلال وسجود العام كفه وفرموده كه لازم است بنده تصديق كند خدايرا درين خبر وسجده آرد) وقد سبق في آخر الأعراف ما يتعلق بسجدة التلاوة فارجع.
وأما سجدة الشكر وهي أن يكبر ويخر ساجداً مستقبل القبلة، فيحمده تعالى ويشكره ويسبح ثم يكب فيرفع رأسه فقد قال الشافعي يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم كحدوث ولد أو نصر على الأعداء ونحوه، وعند دفع نقمة كنجاة من عدو أو غرق ونحو ذلك، وعن أبي حينفة ومالك أن سجود الشكر مكروه، ولو خضع فتقربتعالى بسجدة واحدة من غير سبب فالأرجح إنه حرام قال النووي : ومن هذا ما يفعله كثير من الجهلة الضالين من السجود بين يدي المشايخ فإن ذلك حرام قطعاً بكل حال، سواء كان إلى القبلة أو لغيرها وسواء قصد السجودأو غفل وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر كذا في الفتح القريب.
قل يا محمد للمشركين من (كيست) رب السموات والأرض خالقهما ومالكهما ومتولي أمرهما قل في الجواب الله إذ لا جواب لهم سواه لأنه البين الذي لا مراء فيه فكأنه حكاية لاعترافهم به.
قل إلزاماً لهم أفأتخذتم من دونه أولياء الهمزة للإنكار والفاء للاستبعاد أي أبعد إقراركم هذا وعلمكم بأنه تعالى صانع العالم ومالكه اتخذتم من دونه تعالى أصناماً وهو منكر بعيد من مقتضى العقل لا يملكون أي : تلك الأولياء لأنفسهم نفعاً ولا ضراً لا يستطيعون لأنفسهم جلب نفع إليها ولا دفع ضرر عنها وإذا عجزوا عن جلب النفع إلى أنقسهم ودفع الضرر عنها كانوا عن نفع الغير ودفع الضر عنه أعجز، ومن هو كذلك فكيف يعبد ويتخذ ولياً وهذا تجهيل لهم وشهادة على غباوتهم وضلالتهم التي ليس بعدها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٦
والإشارة : قل من رب السموات القلوب وأرض النفوس ومن دبر فيهما درجات الجنان بالأخلاق الحميدة ودركات النيران بالأخلاق الذميمة وجعل مشاهدة القلوب مقامات القرب وشواهد الحق ومراتع النفوس شهوات الدنيا ومنازل البعد، قل الله أي أجب أنت عن هذا السؤال
٣٥٧
لأن الأجانب منه بمعزل قل للأجانب أفأتخذتم من دونه أولياء من الشياطين والدنيا والهوى لا يملكون لأنفسهم ولا لكم نفعاً ولا ضراً في الدنيا والآخرة ؛ لأنهم مملوكون والمملوك لا يملك شيئاً.
قل هل يستوي الأعمى والبصير وارد على التشبيه، أي : فكما لا يستوي الأعمى والبصير في الحس كذلك لا يستوي المشرك الجاهل بعظمة الله وثوابه وعقابه وقدرته مع الموحد العالم بذلك.


الصفحة التالية
Icon