قال في التأويلات النجمية الأعمى من يرى غير الله مالكاً ومتصرفاً في الوجود والبصير من لا يرى مالكاً ولا متصرفاً في الوجود غير الله وأيضاً الأعمى هو النفوس لأنها تتعلق بغير الله وتحب غيره، والبصير القلوب لأنها تتعلق بالله وتحبه فالأعمى من عمى بالحق وأبصر بالباطل والبصير من أبصر بالحق وعمى بالباطل، وأيضاً الأعمى من أبصر بظلمات الهوى والبصير من أبصر بأنوار المولى.
أم هل تستوي الظلمات والنور هذا وارد على التشبيه أيضاً، أي فكما لا تستوي الظلمات والنور كذلك لا يستوي الشرك والإنكار والتوحيد والمعرفة، وعبر عن الشرك بصيغة الجمع لأنه أنواع ؛ شرك النصارى وشرك اليهود وشرك عبدة الأوثان وشرك المجوس وغيرها بخلاف التوحيد.
وفي التأويلات هل يستوي المستكن في ظلمات الطبيعة والهوى ومن هو مستغرق في بحر نور جمال المولى فالأول كالأعمى إذ لا يقدر أن يرى الملكوت من ظلمات الملك والثاني كالبصير فكما أن المستغرق في البحر والغائص فيه لا يرى غير الماء فكذا لا يرى أهل البصيرة سوى الله.
قال المولى الجامي :
عاشق اندر ظهر وباطن نه بيند غير دوست
يش اهل باطن اين معنى كه كفتم ظاهرست
أم جعلواشركاء بل اجعلوا فأم منقطعة، والهمزة للإنكار بمعنى لم يكن.
والمعنى بالفارسية (يا آيا كافران ساختند براي خداي انبازاني كه) خلقوا كخلقة صفة شركاء داخلة في حكم الإنكار يعني أنهم لم يتخذواشركاء خالقين مثل خلق الله فتشابه الخلق عليهم حتى يتشابه ويلتبس عليهم خلق الله وخلقهم، فيقولوا هؤلاء قدروا على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه أقل خلق الله وأذله وأصغره وأحقره فضلاً عن أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق.
قل الله خالق كل شيء من الأجسام والأعراض لا خالق غير الله فيشاركه في العبادة جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها، ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله وهو الواحد القهار يحتمل أن يكون هذا القول داخلاً تحت الأمر بقل، ويحتمل أن يكون استئنافاً إخباراً منه تعالى بهذين الوصفين أي المتوحد بالألوهية الغالب على كل شيء فما سواه مقهور مغلوب له ومن الأشياء آلهتهم فهو يغلبهم فكيف يتوهم أن يكونوا له أولياء وشركاء
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٦
نرد خدمت ون بنا موضع بباخت
شير سنكين را شقى شيرى شناخت
قال المولى الجامي :
مده بعشوه صورت عنان دل جامي
كه هست درس اين رده صورت آرايى
وفي التأويلات النجمية الواحد في ذاته وصفاته القهار لمن دونه أي هو الواحد في خلق الأشياء وقهرها لا شريك له فيه ولا في المطلوبية والمحبوبية، فالعارف لا يطلب غير الله ولا يرى في مرآة الأشياء إلا الله.
٣٥٨
شهود يار در ايغار مشرب جاميست
كدام غيركه لا شيء في الوجود سواه
والآية : إشارة إلى أنه تعالى خالق الخير والشر روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله، إذ أقبل أبو بكر وعمر في جمعة من الناس فلما دنوا سلموا على رسول الله فقال بعض القوم : يا رسول الله قال أبو بكر الحسنات من الله والسيئات منا وقال عمر الحسنات والسيئات كلها من الله تعالى فتابع بعض القوم أبا بكر وبعض القوم عمر فقال عليه السلام : ما أقضى بينكما إلا كما قضى إسرافيل بين جبرائيل وميكائيل أما جبرائيل فقال مثل مقالتك يا عمر وأما ميكائيل فقال مثل مقالتك يا أبا بكر، فقال جبرائيل : إذا اختلف أهل السماء اختلف أهل الأرض فهلم نتحاكم إلى إسرافيل فقصا عليه القصة فقضى بينهما أن القدر خيره وشره من الله تعالى ثم قال النبي عليه السلام : فهذا قضائي بينكما قال : يا أبا بكر لو شاء الله أن لايعصى في الأرض لم يخلق إبليس.
قال الحافظ :
دركار خانه عشق در كفرنا كزيرست
آتش كرا بسوز دكر بو لهب نباشد
نسأل الله التوفيق إلى الخير والفلاح والرشاد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٦
﴿أُنزِلَ﴾ أي الله تعالى من السماء ماء أي مطراً ينحدر منها إلى السحاب، ومنه إلى الأرض وهو رد لمن زعم أنه يأخذه من البحر ومن زعم أن المطر إنما يتحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأرض إلى الهواء فينعقد هناك من شدة برد الهواء ثم ينزل مرة أخرى، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن تحت العرش بحر ينزل منه أرزاق الحيوانات يوحي الله إليه فيمطر ما شاء من سماء إلى سماء الدنيا، ويوحي إلى السحاب أن غربله فيغربله فليس من قطرة تقطر إلا، ومعها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة إلا بكيل معلوم ووزن معلوم إلا ما كان يوم الطوفان من ماء فإنه نزل بغير كيل ولا وزن.