يقول الفقير : هذه الرواية أدل على قدرة الله تعالى مما ذهب إليه الحكماء كما لا يخفى فقول من قال في التفسير أي من السماء نفسها، فإن مبادي الماء منها ففي لفظة من مجاز تضييق للأمر وعدول عن الحقيقة من غير وجه معتد به والله على كل شيء قدير فسالت من ذلك الماء والسيلان الجريان.
أودية جمع واد كأندية جمع ناد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة والمراد ههنا الأنهار بطريق ذكر المحل وإرادة الحال، ونكرها لأن المطر يأتي على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض أودية دون بعض بقدرها بفتح الدال وسكونها صفة لأودية أو متعلق بسالت والضمير راجع إلى المعنى المجازي للأودية أي بمقدارها الذي علم الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار أي بالقدر الذي لا يتضرر الناس به.
وبالفارسية (باندازه كه خداي تعالى مقرر كرده كه آن سود رساند وزيان نكند) وذلك لأن ضرب المطر مثلاً للحق فوجب أن يكون مطراً خالصاً للنفع خالياً من المضرة ولا يكون كبعض الأمطار والسيول الجواحف، ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى المعنى الحقيقي لها على طريق الاستخدام أي بمقدارها في الصغر والكبر أي إن صغر الوادي قل الماء وإن اتسع الوادي كثر الماء، وبالفارسية (بقدرها باندازه خود يعني هر وادي بمقدار خود در جزوى وبزركى وتنكى وفراخي برداشت) فاحتمل السيل أي حمل ورفع.
زبداً هو اسم لكل ما علا وجه الماء من رغوة وغيرها
٣٥٩
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٩
سواء حصل بالغليان أو بغيره.
وبالفارسية (كف) واصله كل شيء تولد من شيء مع مشاهبته له ومنه الزبد.
رابياً عالياً فوق الماء ومما يوقدون عليه في النار خبر مقدم لقوله زبد مثله وعليه متعلق بيوقدون.
والإيقاد جعل النار تحت الشيء ليذوب، وفي النار حال من الضمير في عليه، أي ومن الذي يوقد الناس عليه يعني (ميكذارند) حال كونه ثابتاً في النار وهو يعم الفلزات، والفلز بكسر الفاء واللام وشد الزاي جوهر الأرض أي الأجساد السبعة المعدنية التي تذاب وهي الذهب والفضة والحديد والنحاس والآنك والزئبق والصفر ابتغاء حلية مفعول له، أي طلب زينة فإن أكثر الزين من الذهب والفضة أو متاع عطف على حلية وهو ما يتمتع به أي ينتفع به كالنحاس والحديد والرصاص يذاب فيتخذ منه الأواني وآلات الحروب والحرث.
زبد مثله قوله : مثله صفة زبد، أي : ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء يعلو عليه إذا أذيب وهو الخبث على أن تكون من ابتدائية أو بعضه زبد مثله على أن تكون تبعيضية.
كذلك في محل النصب أي مثل ذلك الضرب والبيان والتمثيل يضرب الله الحق والباطل أي : بينهما ويمثلهما فإنه تعالى مثل الحق في الثبات والنفع بالماء النافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلى منه واتخاذ الأمتعة المختلفة، وشبه الباطل في سرعة زواله وقلة نفعه بالزبد الضائع، أي بزبد السيل الذي يرمى به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب، فالزبد وإن علا الماء فهو ينمحق وكذا الباطل وإن علا الحق في بعض الأحوال فإن الله سيمحقه ويبطله بجعل العاقبة للحق وأهله، كما قيل : للحق دولة وللباطل صولة.
قال الحافظ :
سحر با معجزه هلو نزند ايمن باش
سامرى كيست كه دست از يد بيضا ببرد
وبين وجه الشبه وهو الذهاب باطلاً مطروحاً والثبات نافعاً مقبولاً بقوله : فأما الزبد (اما كف روى آب وخبث بالاي فلز) وبدأ بالزبد مع تأخره فإن ذا الزبد يبقى بعد الزبد ويتأخر وجوده الاستمراري فيذهب جفاء قال في القاموس الجفاء كغراب الباطل وهو حال، أي باطلاً مرمياً به.
وأما ما ينفع الناس كالماء وخلاصة الفلز.
فيمكث في الأرض أي يبقى ولا يذهب فينتفع به الناس أما الماء فيثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى والآبار وأما الفلز فيبقى أزمنة متطاولة كذلك (همنين كه ذكر كرده شد) يضرب الله الأمثال ويبينها لإيضاح المشتبهات، والمثل القول الدائر بين الناس، والتمثيل أقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبي وهو إظهار للوحشي في صورة المألوف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٩
قال الكاشفي :(بعضي بادنندكه مراد ازين آب قر آنست كه حيات دل اهل ايمانست وأودية دلها اندكه فراخور استعداد خود ازان فيض ميكيرند وزبد هواجس نفساني ووساوس شيطاني است).
وقال أبو الليث في تفسيره شبه الباطل بالزبد يعني احتملت القلوب على قدر هواها باطلاً كثيراً فكما أن السيل يجمع كل قذر فكذلك الهوى يحتمل الباطل وكما أن الزبد لا وزن له فكذلك الباطل لا ثواب له، والإيمان واليقين ينتفع به أهله في الآخرة كما ينتفع بالماء الصافي في الدنيا، والكفر والشك لا ينتفع به في الدنيا والآخرة.
وفي التأويلات النجمية انزل من السماء من سماء القلوب ماء المحبة فسالت أوية النفوس بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً
٣٦٠


الصفحة التالية
Icon