والثالث موالاة المؤمنين فإنه يستحب استحباباً شديداً زيارة الأخوان والصالحين والجيران والأصدقاء والأقارب وإكرامهم وبرهم وصلتهم وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم وينبغي للزائر أن تكون زيارته على وجه لا يكرهون وفي وقت يرتضون فإن رأى أخاه يحب زيارته ويأنس به أكثر زيارته والجلوس عنده، وإن رآه مشتغلاً بعبادة أو غيرها أو رآه يحب الخلوة يقل زيارته حتى لا يشغله عن عمله، وكذا عائد المريض لا يطيل الجلوس عنده إلا أن يستأنس به المريض، ومن تمام المواصلة المصافحة عند الملاقاة ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها.
قال الحافظ :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٢
يارى اندركس نمى بينيم يارانرا ه شد
دوستى كي آخر آمدد وستدارا نراه شد
كسى نمى كويدكه يارى داشت حق دوستى
حق شنا سانراه حال افتاد ويار انراه شد
والرابع : مراعاة حقوق كافة الخلق حتى الهرة والدجاجة.
وعن الفضيل أن جماعة دخلوا عليه بمكة فقال : من أين أنتم؟ قالوا : من أهل خراسان قال اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم واعلموا أن العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين وروى أن امرأة عذبت في هرة حبستها فلم تطعمها إلى أن ماتت وامرأة رحمها الله وغفر لها بسبب أن سقت كلباً عطشان بخفها.
وكان أويس القرني يقتات من المزابل ويكتسى منها فنبحه يوماً كلب على مزبلة فقال له أويس : كل ممايليك وأنا آكل مما يليني ولا تنبحني فإن جزت الصراط فأنا خير منك وإلا فأنت خير مني.
يقول الفقير : وذلك لأن الإنسان السعيد خير البرية والشقي شر البرية، والكلب داخل في البرية وهذا كلام من مقام الانصاف فإن أهل الحق لا يرون لأنفسهم فضلاً ولذا كانوا يعدون من سواهم أياًما كان خيراً منهم، وورد : رب بهيمة خير من راكبها وهذا العلم أعطاهم مراعاة الحقوق مع جميع الحيوانات ويخشون ربهم أي وعيده عموماً ويخافون سوء الحساب خصوصاً فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
وقال أبو هلال العسكري الخوف يتعلق بالمكروه ومنزل المكروه يقال خفت زيداً وخفت المرض كما قال تعالى : يخافون ربهم من فوقهم}(النحل : ٥٠)، وقال :﴿وَيَخَافُونَ سُواءَ الْحِسَابِ﴾ والخشية تتعلق بمنزل المكروه ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ولهذا قال ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب انتهى وسوء الحساب سبق قريباً والخوف من أجل المنازل وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد.
٣٦٤
هركه ترسد مرورا ايمن كنند
مر دل ترسنده را ساكن كنند
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٢
﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على ما تكره النفوس من أنواع المصائب ومخالفة الهوى من مشاق التكاليف ابتغاء وجه ربهم طلباً لرضاه من غير أن ينظروا إلى جانب الخلق رياء وسمعة ولا إلى جانب النفس زينة وعجبا.
واعلم أن مواد الصبر كثيرة منها.
الصبر على العمى وفي الحديث القدسي : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه أي العينين وسميتا بذلك لأنهما أحب الأشياء إلى الشخص فصبر على البلاء راضياً بقضاء الله تعالى عوضته منهما الجنة والأعمى أول من يرى الله تعالى يوم القيامة.
ومنها الصبر على الحمى وصداع الرأس وموت الأولاد والأحباب وغير ذلك من أنواع الابتلاء، ومنها الصوم فإن فيه صبراً على ما تكرهه النفس من حيث إنها مألوفة بالأكل والشرب والصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله عليه السلام : الصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان.
قال الحافظ :
ترسم كزين من نبرى آستين كل
كز كلشنش تحمل خارى نميكنى
روى أن شقيق بن إبراهيم البخلي دخل على عبد الله بن المبارك متنكراً فقال له عبد الله من أين أتيت؟ فقال : من بلخ قا : ل وهل تعرف شقيقاً : قال نعم، قال كيف طريقة أصحابه؟ فقال : إذا منعوا صبروا وإذا أعطوا شكروا، فقال عبد الله : طريقة كلا بنا هكذا، فقال : وكيف ينبغي أن يكون الأمر فقال الكاملون هم الذين إذا منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا.
قال حضرة شيخي وسندي روح الله روحه في بعض مناجاته : اللهم إني أحمدك في السراء والضراء، وأقول في السراء الحمدالمنعم المفضل نظراً إلى النعمة الظاهرة والمنحة الجلية في السراء وأقول في الضراء الحمدعلى كل حال نظراً إلى النعمة الباطنة والمنحة الخفية في الضراء لكن أشكرك في السراء وأقول الشكرطمعاً في زيادة النعمة والمنحة بمقتضى وعدك في قولك لئن شكرتم لأزيدنكم}(إبراهيم : ٧) فإذا دفعت عني البلية ورفعت المحنة فاشكرك مطلقاً كما أحمدك كذلك وأقول الشكرمطلقاً كما أقول الحمدكذلك انتهى.


الصفحة التالية
Icon