وهذا كلام لم أر مثله من المتقدمين حقيق بالقبول والحفظ فرضي الله عن قائله ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ﴾ المفروضة أي داوموا على إقامتها وانفقوا مما رزقناهم أي بعضه الذي وجب عليهم إنفاقه فمن للتبعيض والمراد بالبعض المتصدق به الزكاة المفروضة لاقترانه بالصلاة التي هي أخت الزكاة وشقيقتها أو مطلق ما ينفق في سبيل الله نظراً إلى إطلاق اللفظ من غير قرينة الخصوص سراً لمن لا يعرف بالمال يتناول النوافل لأنها في السر أفضل وعلانية لمن عرف به يشمل الفرائض لوجوب المجاهرة بها نفياً للتهمة، وانتصابهما على الحال أي ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين، أو على الظرف أي وقتى سر وعلانية أو على المصدر أي انفاق سر وعلانية.
والمعنى إسرار النوافل من الصدقات والإعلان بالفرائض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٥
ومن الانفاق الواجب الانفاق على الأبوين إذا كانا فقيرين.
قال الفقهاء : تقدم الأم على الأب في النفقة إذا لم يكن عند الولد إلا كفاية أحدهما لكثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك كما في الفتح القريب.
قال الشيخ عز الدين : الواجب قسمان واجب بالشرع
٣٦٥
وواجب بالمروءة والسخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة فإن منع واجبا منهما فهو بخيل، ولكن الذي يمنع واجب الشرع أبخل كالذي يمنع أداء الزكاة والنفقة الواجبة أو يؤديها بمشقة فإنه بخيل بالطبع متسخ بالتكلف، أو كان بحيث لا يطيب له أن يعطي من أطيب ماله أو من أوسطه فهذا كله بخل وأما واجب المروءة المضايقة والاستقصاء في المحقرات فإن ذلك مستقبح واستقباحه يختلف بالأحوال والأشخاص فمن كثر ماله يستقبح منه ما لا يستقبح من الفقير من المضايقة ما لا يستقبح أقل منه في المبايعة والمعاملة، فيختلف ذلك بما فيه المضايقة من ضيافة أو معاملة وبما به المضايقة من طعام أو ثوب فالبخيل هو الذي يمنع حيث ينبغي أن لا يمنع إما بحكم الشرع وإما بحكم المروءة وجاء في وصف البخيل.
لو عبر البحر بأمواجه
في ليلة مظلمة بارده
وكفه مملوءة خردلاً
ما سقطت من كفه واحده
وفيه :
خواجه در ما هتاب نان ميخورد
در سرايى كه هي خلقي نبود
سايه خويش را كسى نداشت
كاسه از يش خويشتن بربود
واعلم أن الله تعالى أسند الانفاق إليهم وإعطاء الرزق إلى ذاته تعالى تنبيهاً على أنهم أمناء الله فيما أعطاهم ووكلاؤه، والوكيل دخيل في التصرف لا أصيل، فينبغي له أن يلاحظ جانب الموكل لا جانب نفسه ولا جانب الخلق وقد قالوا من طمع في شكر أو ثناء فهو بياع لا جواد فإنه اشترى المدح بماله والمدح لذيذ مقصود في نفسه والجود هو بذل الشيء من غير غرض.
كرم ولطف بي غرض بايد
تا ازان مردمتهم نبود
از كرم ون جزا طمع داري
آن تجارت بود كرم نبود
ومن الكرم ضيافة الأخوان في شهر رمضان، وفي الحديث : يا أصحابي لا تنسوا أمواتكم في قبورهم خاصة في شهر رمضان فإن أرواحهم يأتون بيوتهم فينادي كل أحد منهم ألف مرة من الرجال والنساء أعطفوا علينا بدرهم أو برغيف أو بكسرة خبز أو بدعوة أو بقراءة آية أو بكسوة كساكم الله من لباس الجنة كذا في ربيع الأبرار فإذا كان الرغيف أو الكسرة مفيداً مقبولاً عند الله تعالى فما ظنك بما فوقه من اللذائذ وفي الحديث : من لقم أخاه لقمة حلوة صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة ويدرأون بالحسنة السيئة ويدفعونها بها فيجاوزون الإساءة بالإحسان والظلم بالعفو والقطع بالوصل والحرمان بالعطاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٥
كم مباش از درخت سايه فكن
هركه سنكش زند ثمر بخشش
از صدف يا دكير نكته حلم
هركه زد برسرش كهر بخشش
أو المعنى يتبعون الحسنة السيئة فتمحوها وأحسن الحسنات كلمة لا إله إلا الله إذ التوحيد رأس الدين فلا أفضل منه كما أن الرأس أفضل الجوارح.
وعن ابن كيسان إذا اذنبوا تابوا فيكون المراد بالحسنة التوبة وبالسيئة المعصية.
قال عبد الله بن المبارك : هذه ثمان خصال مسيرة إلى ثمانية أبواب الجنة أولئك (آن كروه كه بدين صفات موصوفند) لهم عقبى الدار عاقبة الدنيا ومرجع
٣٦٦
أهلها وهي العاقبة المطلقة التي هي الجنة وأما النار فإنما كانت عقبى الكافرين لسوء اختيارهم وليس كونها عاقبة دار الدنيا مقصوداً بالذات بخلاف الجنة.
جنات عدن بدل من عقبى الدار والعدن الإقامة يقال عدن بالبلد يعدن بالكسر أي أقام وسمى منبت الجواهر من الذهب ونحوه المعدن بكسر الدال لقرارها فيه أو لأن الناس يقيمون فيه، الصيف والشتاء.
يدخلونها أي جنات يقيمون فيها ولا يخرجون منها بعد الدخول.
وقيل : هو وسط الجنان وأفضلها وأعلاها وهو مقام التجلي الإلهي والانكشاف الإلهي خلقه الله بيده من غير واسطة.