فمن الفتنة أن يغرى الناس على البغي والخروج على السلطان وذلك لا يجوز وإن كان ظالماً لكونه فتنة وفساداً في الأرض، وكذا معاونه المظلومين إذا أرادوا الخروج عليه وكذا المعاونة له لكونه إعانة على الظلم وذلك لا يجوز، ومنها أن يقول للناس ما لا تصل عقولهم إليه وفي الحديث : أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
ومنها أن يذكر للناس ما لا يعرفه بكهنه ولا يقدر على استخراجه فيوقعهم في الاختلاف والاختلال والفتنة والبلية كما هو شأن بعض الوعاظ في زماننا.
ومنها أن يحكم أو يفتى بقول مهجور أو ضعيف أو قوي يعلم أن الناس لا يعلمون به بل ينكرونه أو يتركون بسببه طاعة أخرى كمن يقول لأهل القرى والبوادي والعجائز والعبيد والإماء لا تجوز الصلاة بدون التجويد وهم لا يقدرون على التجويد فيتركون الصلاة رأساً وهي جائزة عند البعض وإن كان ضعيفاً، فالعمل به واجب وكمن يقول للناس لا يجوز البيع والشراء والاستقراض بالدراهم والدنانير إلا بالوزن لأن رسول الله نص عليها بالوزن فهو وزنى أبداً وإن ترك الناس فيه الوزن فهذا القول قوي في نفسه وهو قول الامام أبي حنيفة ومحمد مطلقاً وقول أبي يوسف في غير ظاهر الرواية وهي خروجها عن الوزنية بتعامل الناس إلى العددية فهذه الرواية
٣٦٩
وإن كانت ضعيفة فالقول بها واجب ولازم فراراً من الفتنة فيجب على القضاة والمفتين والوعاظ معرفة أحوال الناس وعاداتهم في القبول والرد والسعي والكسل ونحوها فيكلمونهم بالأصلح والأوفق لهم حتى لا يكون كلامهم فتنة للناس وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يجب على الآمر والناهي معرفة أحوال الناس وعاداتهم وطبائعهم ومذاهبهم لئلا يكون فتنة للناس وتهييجاً للشر وسبباً لزيادة المنكر وإشاعة المكروه أولئك لهم اللعنة في الآخرة والجملة خبر والذين ينقضون.
واللعنة : الإبعاد من الرحمة والطرد من باب القرب ولهم سوء الدار أي : سوء عاقبة الدنيا وهي جهنم فاللعنة وسوء العاقبة لاصقان بهم لا يعدوانهم إلى غيرهم وفيه تنفير للمسلمين عن هذه الخصال الثلاث وإن لا ترفع همتهم حول ذلك الحمى، وفي الحديث : ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة إلا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القطر.
وفي الحديث من أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعن لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً أي فريضة ونافلة كما في الأسرار المحمدية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٧
وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى
وكرنه هركه توبيني ستمكرى داند
واعلم أن اللعنة لعنتان : طرد عن الجنة وهو للكافرين وطرد عن ساحة القربة والوصلة وهو للمؤمنين الناقصين فمن قصر في العبودية وسعى في إفساد الأرض الاستعداد وقع في دار القطيعة والهجران وإن كان صورة في الجنان ورب كامل في الصورة ناقص في المعنى وبالعكس.
قال المولى الجامي :
ه غم زمنقصت صورت أهل معنى را
وجان زروم بود كوتن از حبش مي باش
ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام إذ ألقى في النار كانت برداً وسلاماً فلم يضره كونه في صورة النار والنمرود كان في صورة النعمة فلم ينفعه ذلك بل وجد في النعمة نقمة نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الجنة والقربة والوصلة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٧
﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه في الدنيا لمن يشاء بسطه وتوسيعه ويقدر قال في تهذيب المصادر.
القدر (تنك كردن) وهو من باب ضرب أي يضيق الرزق لمن يشاء ويعطيه بقدر كفايته لا يفضل عنه شيء كأنه قيل لو كان من نقض عهد الله ملعونين في الدنيا ومعذبين في الآخرة لما فتح الله عليهم أبواب النعم واللذات في الدنيا فقيل إن فتح باب الرزق في الدنيا لا تعلق له بالكفر والإيمان بل هو متعلق بمجرد مشيئة الله فقد يضيق على المؤمن امتحاناً لصبره وتكفيراً لذنوبه ورفعاً لدرجاته ومن هذا القبيل ماوقع لأكثر الأصحاب رضي الله عنهم من المضايقة ويوسع على الكافرين استدراجاً ومنه ما وقع لأكثر كفار قريش من الوسعة ثم إن الله تعالى جعل الغنى لبعضهم صلاحاً وجعل الفقر لبعضهم صلاحاً وقد جعل في غنى بعضهم فساداً كالفقر وفي الكل حكمة ومصلحة.
قال الحافظ :
ازين رباط دو در ون ضرور تست رحيل
رواق طاق معيشت ه سر بلندوه ست
بهست ونيست مرنجان ضمير وخوش دل باش
كه نيستيست سر انجام هر كمال كه هست
ببال ورمرو ازره كه تر ر تابى
هوا كرفت زماني ولى بخاك نشست
وفرحوا يعني مشركي مكة.
والفرح لذة في القلب لنيل المشتهي بالحيوة الدنيا بما بسط
٣٧٠
لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لا فرح شكر وسرور بفضل الله وإنعامه عليهم.
وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا حرام
افتخار ازرنك وبو واز مكان
هست شادي وفريب كودكان